د. أكرم خولاني
تؤدي الإصابة بمرض السكري لعدة مضاعفات في الأوعية والأعصاب تنتج عنها مشاكل في العين والقلب والكلية والقدم وغيرها من أعضاء الجسم، وكلما طالت مدة الإصابة بالسكري وقلت السيطرة على نسبة السكر في الدم زاد احتمال حدوث المضاعفات.
ويعتبر اعتلال الشبكية السكري Diabetic retinopathy من سمات مرض السكري من النمطين الأول والثاني على حد سواء، وهو قد ينتهي بالعمى، لكن اكتشافه وعلاجه في الوقت المناسب يجنب العمى في 90% من الحالات.
ما هو اعتلال الشبكية السكري
هو تأذي شبكية العين نتيجة ضرر يصيب الأوعية الدموية الصغيرة فيها بسبب انهيار المعاوضة الاستقلابية الناجم عن السكري، والشبكية هي طبقة رقيقة من النسيج متحسسة للضوء تعمل على غرار الفيلم في جهاز التصوير الفوتوغرافي، حيث تنقل أشعة الضوء من خلال العصب البصري إلى الدماغ لترجمتها إلى صور، وهي تمتلك أوعية دموية عالية الدقة تزودها بالمغذيات والأوكسجين، فعند الإصابة باعتلال الشبكية السكري تكون هذه الأوعية متضررة؛ مسدودة أو ترشح السوائل، وقد تنزف وتتلف خلايا الشبكية نهائيًا، وعندما يستفحل المرض تنمو شُعيرات هشّة على الشبكية وتنزف أحيانًا مسببة ضبابية في الرؤية، وبالتالي فإن اعتلال الشبكية السكري قد يؤدي إلى فقدان البصر بدرجة عالية.
ويرتبط انتشار اعتلال الشبكية السكري بمدة الإصابة بالداء السكري، حيث لا يكاد هذا المرض يظهر لدى مرضى النمط الأول من الداء السكري خلال السنوات الثلاث إلى الخمس الأولى من الإصابة بالداء، ولكن بعد نحو 20 سنة نجد أن كل المرضى تقريبًا قد أصيبوا باعتلال الشبكية السكري بدرجة ما، أما بالنسبة لمرضى الداء السكري من النمط الثاني فإن نحو 20% منهم يصابون باعتلال الشبكية السكري خلال مرحلة التشخيص الأولية للسكري، وبعد 20 سنة نجد أن 60% منهم قد أصيبوا باعتلال الشبكية السكري.
ما أسباب الإصابة باعتلال الشبكية السكري؟
يحدث هذا الاعتلال نتيجة ارتفاع نسبة السكر في الدم بشكل مستمر، ما يسبب اضطرابًا في جدران أوعية الدم الصغيرة للشبكية، هذه الأوعية الدموية العليلة قد تتوسع، ما يسبب تسربًا للسوائل، وقد تنسد فتترك جزءًا من شبكية العين من دون تروية دموية، ومع تقدم المرض تتشكل أوعية دموية جديدة في الشبكية وعلى السطح الخلفي من الجسم الزجاجي، ويتكاثر النسيج الليفي في شبكية العين، ما يؤدي إلى تدهور الرؤية.
قد يؤدي الحمل أو جيل المراهقة أو عملية جراحية غير ناجحة، للتعجيل بهذه التغييرات، كما أن وجود عوامل الخطر الأخرى مثل ارتفاع ضغط الدم، والسمنة، وزيادة نسبة الكوليسترول، والتدخين، لدى مريض السكري يضاعف خطر حدوث مضاعفات العين.
ما مراحل اعتلال الشبكية السكري؟
- اعتلال الشبكية الأولي: في البداية تظهر علامات التورم المجهري أو التمدد في الأوعية الدموية، ثم تسرب سائل بالغ في الصغر إلى جانب نزيف ضئيل في أجزاء مختلفة من الشبكية، ويتراءى لطبيب العيون لدى فحصه الجزء الخلفي من العين وكأن به نقاطًا ولطخات، وفي هذه الحالة لا يكون البصر معتلًا لكنه يحتاج إلى العناية المستمرة.
- وذمة البقعة الصفراء: هو السبب الأكثر شيوعًا لفقدان البصر لدى مريض السكري، ويرجع ذلك إلى تراكم سائل البلازما بين طبقات البقعة الصفراء، وهي المنطقة المركزية والأكثر تحسسًا في الشبكية والمسؤولة عن توفير حدة بصرية جيدة، ويعتمد تشخيص هذا الاعتلال بشكل ملحوظ على أن يكون مبكرًا للغاية، قبل أن يكون المريض واعيًا بانخفاض حدة البصر.
- اعتلال الشبكية السكري التكاثري: يشكل تقدمًا خطيرًا في الاعتلال الخلفي لشبكية العين، وفي هذا النوع تغلق الأوعية الدموية التالفة وتظهر وتنمو أوعية غير طبيعية على شبكية العين، هذه الأوعية الجديدة هي أجسام ضعيفة جدًا تنزف بسهولة، وفي النهاية، قد يتسبب تندب النسيج الذي حفزه نمو الأوعية الدموية الجديدة في انفصال الشبكية عن الجزء الخلفي للعين، وإذا ما تسببت الأوعية الدموية الجديدة في إعاقة التدفق الطبيعي للسائل خارج العين، فقد يزيد الضغط في مقلة العين (زرق) ويمكن أن يؤدي ذلك إلى تلف العصب البصري.
ما أعراض الإصابة؟
لا يسبب اعتلال الشبكية السكري في مراحله الأولى أي تغييرات على الرؤية، ولكن مع تطور المرض تظهر الأعراض، فيحدث نقص حدة البصر وتشوه الرؤية (أي الرؤية المشوهة للأشياء) و عوائم العين (و هي بقعة طافية في مجال الرؤية و تُعرف بالذباب الطائر)، ويمكن لمستوى الرؤية أن يسوء بشكل كبير ما قد يؤدي إلى العمى.
ما مضاعفات الإصابة باعتلال الشبكية السكري؟
يمكن لاعتلال الشبكية السكري أن يؤدي لمشكلات بصرية خطيرة:
- نزيف الجسم الزجاجي: قد تنزف الأوعية الدموية الجديدة في المادة الهلامية الشفافة التي تملأ مركز العين، وإن كانت كمية النزيف صغيرة، فقد لا ترى سوى بضع بقع داكنة، وفي الحالات الأكثر شدة، يمكن للدم أن يملأ تجويف الجسم الزجاجي ويمنع الإبصار تمامًا، وعادة لا يسبب نزيف الجسم الزجاجي نفسه فقد البصر الدائم، وغالبًا ما يزول الدم من العين خلال بضعة أسابيع أو شهور، وما لم تتضرر الشبكية، فقد يعود البصر إلى صفائه المعتاد.
- انفصال الشبكية: تحفز الأوعية الدموية غير الطبيعية المرتبطة باعتلال الشبكية السكري نمو النسيج الندبي، وهو ما قد يشد القرنية بعيدًا عن الجزء الخلفي من العين، وقد يسبب ذلك بقعًا عائمة في الرؤية، أو ومضات ضوئية، أو فقد بصر شديدًا.
- الزَرَق (المياه الزرقاء): قد تنمو أوعية دموية جديدة في مقدمة العين وتعيق السريان الطبيعي للسائل خارج العين، لتسبب ارتفاع الضغط داخل العين (الزرَق)، ويمكن للضغط أن يضر بالعصب البصري.
- العمى: في نهاية الأمر يمكن لاعتلال الشبكية السكري، أو الزرق، أو كليهما، أن يؤديا إلى فقد البصر التام.
كيف تشخص الإصابة؟
يجب إجراء فحوص دورية لقعر العين منذ تشخيص الداء السكري، ويُنصح دوليًا بإجراء مراقبة نصف سنوية أو سنوية، وبهذا الشكل يتم تشخيص اعتلال الشبكية السكري في المراحل المبكرة، ما يجعل العلاج ممكنًا لمنع التقدم إلى مراحل الاعتلال التكاثري، وفي بعض الأحيان قد يطلب طبيب العيون إجراء اختبارات إضافية تساعد على فهم أفضل للتطور وتسمح بوضع خطة للعلاج اللاحق بأكبر دقة ممكنة، ومنها: تصوير الشبكية (صور الشبكية للحصول على مراقبة تطورية أكثر دقة)، تصوير الأوعية بالفلوريسيين (صور خاصة بشبكية العين مع تباين في الوريد)، والتصوير المقطعي للتناسق البصري OCT (تحليل طبقات وسمك شبكية العين).
كيف يعالج اعتلال الشبكية السكري؟
هناك خيارات متعددة للعلاج تعتمد على المنطقة المصابة ودرجة تقدم المرض:
ففي المراحل الأولية لاعتلال الشبكية السكري، من الممكن أن لا يحتاج المرض إلى أي علاج.
في حالات وذمة البقعة الصفراء الطفيفة التي لا تسبب أي أعراض، لا بد لهم من إجراء فحوص دورية فقط.
في حالات وذمة البقعة الصفراء الأكثر تقدمًا يكون من الضروري حقن العين بدواء مثبط للأوعية الدموية، أو بأحد مشتقات الكورتيزون ذات التحرر البطيء، أو بمزيج من الاثنين معًا، للسيطرة على الوذمة، ولاسترجاع ما فقد من الرؤية، ولمنع فقدان البصر بسبب التغيرات التنكسية التي لا رجعة فيها التي تصيب خلايا الشبكية، وفي حالات محددة جدًا قد يكون من المستحسن استخدام التخثير الضوئي بالليزر بالقرب من البقعة الصفراء بشكل انتقائي للتخلص من أمهات الدم المجهرية وبالتالي للحد من الوذمة السكرية.
في الاعتلال التكاثري يجب استخدام التخثير الضوئي الأكثر شمولًا لعلاج تلك المناطق من الشبكية التي تعاني من نقص تروية لمنع تقدم المرض إلى أشكاله الأكثر خطورة ذات المضاعفات الشديدة.
في الحالات المتقدمة (نزيف داخل العين أو انفصال الشبكية) من الضروري استخدام تقنيات متقدمة لجراحة العين.
هل يمكن الوقاية من اعتلال الشبكية السكري؟
لا يمكن دائمًا الحؤول دون اعتلال الشبكية السكري، ولكن يمكن لفحوصات الشبكية الدورية، والتنظيم الجيد لمستوى السكر في الدم، وضبط ضغط الدم، والتدخل المبكر لحل مشاكل النظر، المساعدة على منع الفقدان الحاد للنظر، ويتم ذلك من خلال:
- الالتزام بالحمية الغذائية الصحية والنشاط البدني المناسب.
- الالتزام بالأدوية الموصوفة لضبط سكر الدم ضمن المستوى الطبيعي.
- مراقبة مستوى سكر الدم بشكل دوري، وإجراء اختبار الخضاب السكري A1C الذي يعكس مستوى السكر خلال مدة الشهرين أو الثلاثة السابقة.
- الحفاظ على ضغط الدم ومستوى الشحوم والكوليسترول ضمن الطبيعي.
- الإقلاع عن التدخين.
- إجراء فحص دوري لقعر العين كل سنة، وفي بعض الحالات كل ستة أشهر حسبما يحدده الطبيب.
- بالنسبة للنساء الحوامل المصابات بالسكري يجب إجراء فحص عيون شامل خلال الثلث الأول من الحمل، والاستمرار بمراقبة ومتابعة حالتهن على مدار كل أشهر الحمل.