عنب بلدي – ضياء عودة
لا يزال “عنوب” الفتى السوري الواثق بنفسه يلعب مع الأطفال لكن على فترات متقطعة وطويلة، يطرح الأفكار ويبحث عن الحلول في قبعات التفكير الملونة، منها الحمراء التي تمثل المشاعر والبيضاء التي تشير إلى الحقائق أو السوداء التي تعطي الدور الناقد.
ما سبق هو لعبة تطرحها مجلة “طيارة ورق” للأطفال السوريين، تتصدرها شخصية الفتى “عنوب”، والذي عثر في يوم من الأيام على صندوق خشبي دون صاحب، وقرر التعامل معه من خلال القبعات التي تساعد الطفل على التفكير واتخاذ القرار في هكذا نوع من المصادفات.
تعتبر “طيارة ورق” من أبرز مجلات الأطفال وأولاها صدورًا، وسعت للتواصل مع الطفل، المتضرر الأكبر في الحرب، في خطوة لمحاولة إبعاده عن الظروف التي يعيشها وآثارها، وإحاطته بمبادئ وقيم إيجابية يتطلع بها إلى مستقبل أفضل، لكنها تتعرض حاليًا لعوائق أبرزها تمويل الطباعة، والذي يحول دون صدورها ووصولها إلى الأطفال بشكل دوري.
عنب بلدي كانت أفردت في العدد 262، الصادر في شباط 2017، ملفًا حول مسيرة صحافة الطفل في المناطق “المحررة” بسوريا، والأسباب التي أدت إلى تحجيمها وتراجع صدورها، وآثار ذلك على الطفل في الحرب وفي ظل الضغوط التي تحيط به، وما يخلفه توقفها من خلل في وظيفة الإعلام السوري الجديد.
وفي رصد أجرته عنب بلدي، مؤخرًا، للمجلات الخاصة بالطفل بالاعتماد على أرشيف المطبوعات السورية، تبين أن “عطاء” و”طيارة ورق” هما المجلتان اللتان استمرتا بالصدور إلى جانب مجلتي “غراس” و”خطوات صغيرة”.
حملة لم تحقق الهدف
استنادًا لما يفرضه الواقع الحالي الخاص بصحافة الطفل، يبدو أن المجلات التي استمرت بالصدور حتى اليوم لن يكتب لها ذلك طويلًا، كون الأمر يرتبط بالعامل المادي، والدعم الذي يغطي تكاليف الطباعة والنشر داخل الأراضي السورية، أو في بلدان الجوار، حيث يوجد السوريون.
والظروف التي تعيشها صحافة الطفل ليست خاصة بها، إذ تعرضت أيضًا وسائل إعلام أخرى، من صحف ومجلات ومواقع وإذاعات، لأزمات مالية بعد توقف دعم المنظمات عنها، ما أدى إلى توقف عدد كبير منها.
“طيارة ورق” توقفت بشكل كامل عن الصدور، مطلع عام 2017، لأسباب مادية وهي أساس دعم الطباعة، لكنها استأنفت صدورها بشكل متقطع، وخلال العامين الماضيين أنتجت خمسة أعداد جديدة آخرها في كانون الثاني العام الحالي، بحسب رئيسة التحرير، أسماء بلاغ.
تقول بلاغ لعنب بلدي، “همنا أن نستمر ونسعى للاستمرار في المستقبل، رغم توقفنا أو إنتاجنا المتقطع، لكن الإنتاج صعب دون دعم”.
وكخطوة من شأنها تغطية تكاليف الطباعة، أطلقت “شبكة حراس” لدعم الطفل، في 4 من كانون الأول الماضي، حملة تحمل اسم “Kites Not Shells” على منصة كاندو “Cando“، لدعم “طيارة ورق” في شراء طابعة للمجلة ، ونجحت كبداية في الوصول إلى 50% من هدفها في غضون أسبوع واحد فقط.
وحددت شبكة “حراس” المبلغ المطلوب لتحقيق الهدف بـ52.677,87 جنيه إسترليني، ويبدأ التبرع من 15 جنيهًا إسترلينيًا فما فوق.
أهداف الحملة انحصرت في الحصول على التمويل اللازم لشراء طابعة وتشغيلها، حتى تتمكن “حراس” من طباعة نسخ غير محدودة من مجلة “طيارة ورق”، التي صدر عددها الأول في آذار من عام 2013.
وبحسب رئيسة التحرير، سيتم استخدام جزء صغير من المبلغ لإنتاج عدد واحد من المجلة للمشاركة بحملة توعية، تساعد فرق الدعم النفسي والاجتماعي المتنقلة على الوصول إلى ما لا يقل عن 12 ألف طفل مزودين برسائل حماية الأطفال الأساسية، مثل التوعية من مخاطر الألغام الأرضية والزواج القسري المبكر وعمالة الأطفال.
وتوضح بلاغ أن الحملة امتدت لثلاثة أشهر، وانتهت في التاسع من كانون الثاني الحالي، لكنها لم تحقق الهدف منها.
وتقول إن المواضيع التي تتناولها الإصدارات الجديدة تكمل ما بدأته المجلة، مع التركيز أكثر على القصص والمواضيع التي تقدم دعمًا نفسيًا للطفل، مشيرةً إلى أن المجلة توزع داخل سوريا في الشمال لمدارس ومراكز تعليمية.
وسعت “طيارة ورق” خلال مسيرتها في السنوات السابقة، إلى تقديم محتوى يثري الطفل لغويًا وبصريًا عن طريق القصص التي يقرؤها والرسوم التي يشاهدها.
كما اهتمت بالجانب النفسي لدى الطفل فقدمت مواد كألعاب التفريغ، وسعت لتعريف الطفل بحقوقه وواجباته ودعم مهاراته الاجتماعية، بالإضافة لأبواب الترفيه والتسلية.
“عطاء” تتصدر.. الدعم مستمر
لم تواجه مجلة “عطاء” أزمة “طيارة ورق” من حيث الدعم المالي، ما ساعد على استمرارها حتى اليوم، لكنها تترقب بين العام والآخر العوائق التي مرت بها مثيلاتها من صحف الأطفال، خاصةً مع ضيق المساحة الجغرافية التي تستهدفها في إدلب وأرياف حلب وبعض الولايات التركية.
وتصدر “عطاء” كل ثلاثة أشهر عن “جمعية عطاء للإغاثة والتنمية”، وتستهدف الفئة العمرية من 9 إلى 15 سنة.
وتقول سكرتيرة التحرير في المجلة، غادة معترماوي، إن الأعداد توزع في كل من اسطنبول وبورصا وقونيا ومرسين وأنطاكيا والريحانية وغازي عنتاب وأورفا، وفي الشمال السوري في محافظة إدلب وريفها وريف حلب الغربي والشمالي والشرقي (جرابلس وعفرين) وريف حماة وريف الساحل.
يوزع من “عطاء” 40 ألف نسخة من كل عدد من أعداد المجلة، وصدر منها حتى اليوم 13 عددًا بالإضافة للعدد التجريبي، وتجاوز عدد النسخ التي تم توزيعها حتى الآن 500 ألف نسخة، بحسب معترماوي.
وتقول لعنب بلدي إن المواد التي تقدمها المجلة تحرص على التنوع بين المواد التربوية والتعليمية والترفيهية والتسلية والتشويق والمغامرة من خلال القصص السردية وقصص السيناريو (يوميات عطاء ويوميات دعاء) والصفحات التاريخية (تجول مع ياقوت) والزوايا العلمية (مفكر عبقري).
إلى جانب صفحات المرح والتسلية (الألغاز والتسالي ونادي المرح) وصفحات تعلم اللغة التركية، بالإضافة للصفحات التفاعلية مثل بريد القراء وزاوية أصدقاء عطاء التي تنشر رسوم الأطفال وصورهم ومشاركاتهم الأدبية والعلمية.
وترى معترماوي أن “توقف المجلات يعني حرمان الأطفال من الوسائل الترفيهية والتعليمية والتربوية”، مؤكدةً، “نحاول الحصول على دعم لاستمرار المجلة وتحويلها لمجلة شهرية، وبعون الله مستمرون في العطاء”.
وتقول “نحن نضع نصب أعيننا أن نستمر بالرغم من المعوقات وقلة الدعم، وإن شاء الله نحتفل بمرور عقد كامل على صدورها”.
وبحسب مراسل عنب بلدي في محافظة إدلب، يتركز انتشار مجلة عطاء في الداخل السوري على الأيتام الذين تكفلهم “جمعية عطاء للإغاثة” في عدة مناطق، ويوضح نقلًا عن عائلة تقطن في مخيم أطمة أن الأطفال في المخيمات لم يعودا يلقون اهتمامًا بالمجلات حاليًا، خاصةً مع الظروف التي يعيشونها ومشكلة التسرب من المدارس، على خلفية التشتت الكبير الذي يعيشه قطاع التعليم في المناطق “المحررة”.
وتحوي مجلة عطاء رسومًا وتسالي وأسئلة تطرحها على قرائها الأطفال، تصب في دعمهم نفسيًا وتربويًا، وتقدم بشخصية “المستشار التربوي”.
ولعل “خربوط” من أبرز الشخصيات التي تقدمها “عطاء”، والذي يساعد الطفل في التعرف على أساليب اللغة العربية من حروف جر وأفعال وأسماء علَم وغيرها.
تقول معترماوي، “نبحث عن المعلومة الجديدة والمفيدة ونصممها بقالب فني جميل، والجدير ذكره أن المجلة توزع في بعض مدارس إمام خطيب في أنطاكيا، كما طلبتها جامعة كلّس يدي آرالق، كلية العلوم والآداب، قسم اللغات الشرقية وآدابها، فرع اللغة العربية وآدابها، للاستفادة منها في تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها”.
“غراس” و”خطوات صغيرة”
مجلتا “غراس” و”خطوات صغيرة” تصدران اليوم إلى جانب “طيارة ورق” و”عطاء”، بنفس الوتيرة التي كانتا عليها سابقًا، مع تخوف أيضًا من انقطاع الدعم المالي، والذي بات هاجسًا تعاني منه جميع المشاريع الإعلامية والإنسانية المدعومة من قبل المنظمات في سوريا.
آخر عدد لـ “غراس” كان في 9 من كانون الثاني الحالي، احتوى قصصًا ومغامرات، إضافة إلى التسالي والألعاب الذهنية المحفزة، فضلًا عن الزوايا التعليمية والثقافية.
صدرت “غراس” كأول مجلة للطفولة في مدينة حلب، في تموز 2014، من قبل مؤسسة “غراس لرعاية الطفل وتنميته”، وتتوجه المجلة للأطفال من 6 إلى 14 سنة، وتتناول عددًا من المواد المنوعة التعليمية والترفيهية والتربوية.
وفي حديث سابق مع رئيسة تحرير المجلة، فاتن أبو اللبن، قالت، “تغطي المجلة مناطق الشمال السوري والمخيمات الحدودية الشمالية، وريف حماة وحلب وإدلب، بالإضافة إلى مدينة أورفة التركية”.
وأضافت، “تعتمد المجلة في تمويلها على مشاريع الحماية والتعليم الموجودة في مؤسسة غراس القائمة عليها، والتي كان لها الأثر الأكبر لبقائها، كونها لا تعتمد على التمويل الخارجي”.
أما “خطوات صغيرة” فكان آخر أعدادها الثلاثين، في شباط 2018، وأبرز ما ميزه قصة “البطة وبناتها الثلاث”، والتي أرفقت بصور جذابة، إلى جانب التفاصيل التي تتمحور حول البطة “مشموشة” ذات اللون البني الفاتح والصدر المشمشي الجميل.
وفي حديث سابق مع المهندس، هاني شويخ، أحد مؤسسي المجلة، أوضح أن “العاملين فيها لديهم إصرار كبير على ضرورة الاستمرار، إدراكًا منهم لأهمية المجلة في ترميم بعض القيم الاجتماعية التي دمرتها الحرب، وإبعاد الأطفال عن جوّ العنف”.
ودعا إلى “الالتفات أكثر لدعم هذه التجارب لدورها في بناء شخصية الطفل معرفيًا وروحيًا وسلوكيًا”.