عنب بلدي – خاص
بعد مرور ستة أشهر على اتفاق “التسوية” الموقع بين فصائل المنطقة الجنوبية وقوات الأسد يظهر جليًا اتباع النظام السوري سياسة ناعمة هادئة بالتصاريح والوعود، وبنفس الوقت يتجه إلى ممارسات قمعية، الهدف منها تعزيز القبضة الأمنية مستقبلًا.
رغم الوعود التي شملتها اتفاقية “التسوية” والتي ضمنتها روسيا، لم يلتزم النظام السوري بها، الأمر الذي أدى إلى تخوف كبير بين المدنيين، خاصةً مع عمليات الاعتقال وسحب الشبان إلى الخدمة العسكرية والاحتياطية، والتي لم تتوقف منذ آب الماضي حتى اليوم، فضلًا عن الحجز الاحتياطي على أملاك الشخصيات التي عملت مع المعارضة سابقًا سواء كانوا عسكريين أو مدنيين.
وما يزيد من مخاوف المدنيين قرب انتهاء فترة اتفاق “التسوية” المحددة بستة أشهر فقط، على أن يكون شهر كانون الثاني الحالي آخر الأشهر المتفق عليها بين المعارضة وروسيا، لتدخل المنطقة فيما بعد بمرحلة جديدة لا تعرف تبعاتها سواء بتشديد القبضة الأمنية أو التحول إلى ظروف أخرى قد تخفف من احتقان الشارع في درعا.
وكان الجنوب السوري شهد، في الأيام الماضية، خروج مظاهرات بالعشرات في درعا البلد طالبت بخروج المعتقلين ونددت بممارسات الأفرع الأمنية التابعة للنظام السوري، ورافق الأمر تمزيق صور رئيس النظام السوري، بشار الأسد، في الكرك الشرقي وداعل إلى جانب الكتابات التي خطت على الجدران، والمطالبة بإسقاط “حزب البعث” وأجهزة النظام الأمنية.
اعتقال بذرائع
طوال الأشهر الستة الماضية لم تتوقف الأجهزة الأمنية عن حملات الاعتقال التي تطال المدنيين، بل استمرت متذرعةً بعدة أسباب أبرزها موضوع الدعاوى الشخصية والانتماء لتنظيم “الدولة الإسلامية” والتعامل مع إسرائيل وفصائل “الجيش الحر” في السابق.
فيما يخص موضوع الدعاوى الشخصية فقد حركها مدنيون اتهموا عناصر وقادة في “الجيش الحر” بقتل أقاربهم وعائلاتهم في أثناء القصف المتبادل الذي شهدته درعا البلد والمحطة قبل آب 2018، إلى جانب حوادث الخطف التي شهدتها المنطقة بشكل كبير.
أما عن حالات الاعتقال الأخرى فقد أقدمت الأفرع الأمنية، في الأشهر الماضية، على اعتقال عدد من قادة “الحر” سابقًا بتهمة التخابر والتعاون مع إسرائيل، وكان أبرزهم أديب فارس البيدر قيادي في “ألوية العمري” في منطقة اللجاة، إلى جانب القيادي السابق في “جبهة ثوار سوريا”، أحمد الفروخ، الذي ظهر على “قناة سما” بعد اعتقاله من قبل النظام، مكبل اليدين وبدت علامات الخوف عليه خلال حديثه.
وتحدث الفروخ عن إسرائيل وطبيعة علاقاتها مع بعض الفصائل في درعا، واعترف بخطف شخص يدعى بسام الجراد ومشاركته في معارك ضد قوات الأسد في محافظة القنيطرة.
وحصلت عنب بلدي على إحصائية من “مكتب توثيق الشهداء بدرعا” لعدد الأشخاص الذين اعتقلهم النظام السوري في درعا منذ توقيع اتفاق التسوية، وبلغ 312 شخصًا بينهم 132 مقاتلًا في “الجيش الحر” من ضمنهم 26 قياديًا قتلوا في ظروف التعذيب والاعتقال.
وبحسب الإحصائية، يوجد 16 شخصًا معتقلًا (خارج 312 السابقين)، وهم من المقاتلين السابقين مع المعارضة، وانضموا لقوات الأسد وتم اعتقالهم لاحقًا، إلى جانب ثمانية مختطفين احتجزوا للحصول على فديات مالية لقاء الإفراج عنهم.
إشارات حجز احتياطي
لم يقتصر الأمر على الاعتقال كخرق لبنود اتفاق “التسوية”، بل شمل قيام النظام السوري بحجز أملاك الناشطين وبعض القادة الذين عملوا مع فصائل المعارضة سابقًا.
وعلى مدار الأشهر الماضية وفي أثناء حصول الناشطين على ورقة التسوية وخلال مراجعة صحيفة أملاكهم العقارية من بيع وشراء وغير ذلك، تفاجأ الناشطون بوجود إشارة حجز احتياطي وطُلب منهم مراجعة “محكمة الإرهاب” بدمشق.
شمل الحجز أملاك معظم الناشطين والعاملين بالمنظمات الإنسانية وأعضاء مجلس المحافظة و”رابطة أهل حوران” ورؤساء المجالس المحلية للمدن الكبيرة وبعض المغتربين الذين لهم أملاك بالداخل السوري، والذّين وجه النظام لهم تهمة تقديم الدعم للمعارضة السورية.
ويقول نقيب المحامين في محافظة درعا سابقًا، الأستاذ سليمان القرفان، إن الحجز شمل معظم الناشطين من أعضاء مجلس المحافظة والمجالس المحلية والعاملين بالمنظمات الإنسانية بما فيها الأممية.
ويضيف لعنب بلدي أن هذه القرارات صدرت منذ بداية الثورة السورية كالقانون رقم 11، والذي نص على إلغاء الصحيفة العقارية وإنشاء صحيفة عقارية جديدة، بهدف شطب ملكية الأشخاص المعارضين، وكان هناك أكثر من قانون ومرسوم يخدم تلك الغاية كالمرسوم رقم 66.
لم تقتصر قوانين الحجز الاحتياطي الصادرة على أملاك الناشط الشخصية فقط، وإنما شملت أصوله وفروعه وهذه تعتبر مخالفة قانونية، حسب رأي القرفان، “لأن حق التملك حق مصان تحميه كل الدساتير العالمية ولا يجوز مخالفة عرف دستوري عالمي”.
ويعتبر الحجز الاحتياطي وسيلة ضغط وعقاب لكل معارض سار عكس نهج النظام، ويشير القرفان إلى أن “هدف بشار الأسد الانتقام من معارضيه، مستشهدًا بما فعله حافظ الأسد بمعارضيه في ثمانينيات القرن الماضي”.
وتأكيدًا لحديث القرفان، يقول عضو في مجلس محافظة درعا سابقًا (طلب عدم ذكر اسمه) لعنب بلدي، إن حجز النظام على أملاك الناشطين يعكس سياسة النظام القمعية وأدى إلى تخوف كبير من المستقبل وخاصة إذا استطاع النظام بسط سيطرته الأمنية بشكل مطلق.
عدم اعتراف
في سياق نقض بنود “التسوية” من جانب النظام السوري لا بد من الإشارة أيضًا إلى عدم اعتراف النظام السوري بالشهادات الدراسية الصادرة عن دوائر المعارضة السورية سواء “الحكومة السورية المؤقتة” أو “الائتلاف السوري” المعارض.
وكان وفد طلابي من خريجي كلية التربية ومعاهد إعداد المدرسين من “جامعة درعا الحرة” زاروا مديرية التربية للسؤال عن مصيرهم، وكان جواب الأخير “لا نعترف على شهادات الائتلاف.. انقعوها واشربوا ميتها”.
ويوضح الأستاذ أحمد العمار لعنب بلدي أن “عدم الاعتراف بشهادات الائتلاف دمر مستقبل عدد كبير من الشباب وخاصة من أصبح منهم بسن الخدمة الإلزامية”.
بينما يقول محمد عمر، وهو طالب في كلية الصيدلة، “النظام اليوم لا يعترف على شهادة الثانوية ولا على دراسة الصيدلة ولسوء الحظ أصبحت في سن الخدمة الإلزامية أي لن أستطيع تقديم الشهادة الثانوية لأنني مطلوب للخدمة العسكرية”.
بموازاة ما سبق، لم تسجل عودة أي موظف من الموظفين المفصولين لعملهم، منذ توقيع اتفاق “التسوية”، واكتفى النظام بكوادره من الموظفين الذين لم تصدر بحقهم قرارات فصل.
وجاء في شروط التسوية التي سيطر بموجبها النظام على المنطقة الجنوبية عودة الموظفين لعملهم، وكانت لجنة المفاوضات طالبت الضامن الروسي بتنفيذ وعوده بعودة الموظفين كما طالب الوجهاء والفعاليات المدنية والأهلية في اجتماع مع الجانب الروسي بمدينة طفس الروس بالالتزام ببنود التسوية ومن ضمنها عودة الموظفين، واكتفى الضامن الروسي بإحصاء المفصولين وتوثيق أسمائهم فقط.
احتواء وتخفيف احتقان
كنتيجة طبيعية للممارسات التي عمل عليها النظام السوري من اعتقال وحجز أملاك الناشطين والمدنيين في درعا شهدت المحافظة حالة احتقان كبيرة، تجلت تبعاتها بالمظاهرات التي خرجت والكتابة على الجدران وتبني ما يسمى بـ”المقاومة الشعبية” الهجوم على ثكنة عسكرية لقوات الأسد في منطقة طفس، في 16 من كانون الثاني الحالي.
وقبل أيام من انتهاء مهلة اتفاق “التسوية” يسعى النظام السوري لتخفيف الاحتقان بإجراءات ووعود كان آخرها صدور تسوية من “الأمن الوطني” شملت 115 ألف شخص في درعا والقنيطرة.
المحامي عدنان المسالمة، عضو في لجنة المصالحة قال في مقطع صوتي، وصل لعنب بلدي، إن تسوية عامة من “الأمن الوطني” صدرت في الأيام الماضية، وتشمل 115 ألف شخص، بمعنى أن يلغى التوقيف من قبل الحواجز والفروع الأمنية، مع تأجيل ستة أشهر للمتخلفين والاحتياط، لكن حتى تاريخ اليوم لم يحصل أي تنفيذ لهذه الوعود.
والأمر الذي يمكن الوقوف عنده طوال الأشهر الستة الماضية هو أن المشهد العسكري في المناطق التي سيطر عليها الأسد في درعا ما زال يحتفظ بذات الوجوه من عناصر وحواجز “الجيش الحر”، لكن يختلف العَلَم حيث يرفرف على الحواجز علم النظام بديلًا عن علم الثورة.
وكان النظام السوري عمل على استيعاب الطاقة الشبابية من خلال فتح التسجيل بالوحدات العسكرية كـ “الفرقة الرابعة” و”الأمن العسكري”، واتبع أسلوب إغراء الشباب بأن الخدمة محصورة في المنطقة الجنوبية وأنها تحسب من الخدمة النظامية.
وبحسب مصادر عنب بلدي وصل عدد المنتسبين للفرقة الرابعة من عناصر التسوية إلى ألفي عنصر، والتي أنشأت معسكرين لتدريب الأغرار، الأول في بلدة زيزون (معسكر الطلائع) والثاني في بلدة المزيريب (مركز الصاعقة).
ويوجد مئات الشباب الذين سجلوا لصالح الأمن العسكري والمخابرات الجوية، وكان التنافس في بداية التسوية على التسجيل في التشكيلات العسكرية بين “الفرقة الرابعة” و”الفيلق الخامس”، لكن بعد رفض ريف درعا الغربي القتال إلى جانب النظام في إدلب تم حل “الفيلق” بالمنطقة الغربية وانضم أغلب عناصره لـ “الفرقة الرابعة”.