إدلب – شادية تعتاع
نجا علي دندوش، الناشط والمصور في راديو فريش، بأعجوبة من محاولة اغتيال كان ضحيتها الناشطين رائد فارس وحمود جنيد في تشرين الثاني الفائت، لكنه لا يزال حتى الآن يواجه تهديدات ومخاوف تتعلّق بسلامته.
يشهد الشمال السوري منذ أشهر مخاوف بين الصحفيين والناشطين الذين يعيشون هناك، وذلك بعد سلسلة الاعتداءات التي تمارس بحقهم من قبل بعض الفصائل المعارضة، تراوحت بين اعتقال وخطف واغتيال، وهذا ما قد يؤثر على نقل معاناة المدنيين في المناطق المحررة.
ويقول علي دندوش (21عامًا)، وهو أحد أبناء مدينة كفرنبل بريف إدلب الجنوبي لعنب بلدي، “بدأت عملي كمصور في راديو فريش والمكتب الإعلامي لمنظمة اتحاد المكاتب الثورية منذ عام 2013. المشجع لي في عملي كان المرحوم رائد الفارس، لم يكن مجرد مدير في المؤسسة التي أعمل بها فحسب بل كان أبًا وسندًا”.
يتابع دندوش، “المخاطر التي تواجهني في مجال عملي كثيرة كضغط بعض الفصائل، وتدخلهم في عملنا، حتى وصل بهم الحال لقتل رفاقي الناشطين، بينما أتلقى حتى اليوم تهديدات من خلال أرقام وهمية عبر الواتساب”.
وكانت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” رجحت وقوف “هيئة تحرير الشام” وراء اغتيال الناشطين (الفارس وجنيد) في مدينة كفرنبل، مستندةً إلى أدلة ومعلومات مرتبطة بحادثة الاغتيال، واعتمدت بذلك شهادة علي دندوش، إلى جانب عدد من شهود عيان من مدينة كفرنبل.
لكن وكالة “إباء” التابعة لـ “هيئة تحرير الشام” نفت صلتها بالحادثة، وقالت حينها إنها تشابه حادثة قتل الصحفي السعودي، جمال خاشقجي، في تركيا، مضيفةً “هي جريمة في أرض يراد توريط صاحب السلطة فيها”.
خناق أمني يعيق الحركة
حادثة اغتيال الفارس وجنيد التي نجا منها علي دعدوش، ختمت عامًا مليئًا بالانتهاكات بحق العاملين في المجال الإعلامي.
إذ يشير تقرير نشرته “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” في 4 من كانون الثاني الحالي، إلى أن عام 2018، شهد مقتل 24 من العاملين في الكوادر الإعلامية، وإصابة 28 إضافة إلى تعرض 31 آخرين للخطف على يد أطراف الصراع في سوريا.
وأوضح التقرير مسؤولية “هيئة تحرير الشام” عن خطف واعتقال ثلاثة ناشطين وصحفيين في سوريا، ولفت إلى أن فصائل في المعارضة المسلحة، مثل فرقة السلطان مراد، نفذت عمليات خطف بحق ناشطين.
الناشط الإعلامي فائز الدغيم، وهو أحد الذين تعرضوا لعملية خطف سابقًا، تحدث لعنب بلدي عن أبرز المضايقات التي يتعرض لها الإعلاميون في الشمال السوري، واصفًا إياها بأنها “لا تعد ولا تحصى”.
وقال الدغيم، الذي اختُطف عام 2016 لمدة ثلاثة أشهر على يد حركة “أحرار الشام الإسلامية”، إن آخر المضايقات التي تعرض لها كانت قبل أسبوع، حين تعرضت طائرة الدرون الخاصة به والتي يستخدمها للتصوير إلى الضرب بالرصاص على يد شخص مجهول، بينما كان يصوّر مقاطع عن مدينة معرة النعمان، ما أدى إلى عطبها.
الدغيم قال لعنب بلدي إنه كان قد حصل على تصريح بالتصوير الجوي من المحكمة الشرعية بمعرة النعمان، ورغم ذلك تم منعه وتحطيم طائرته.
ويعتبر الناشط، الذي يمارس مهنة الصحافة منذ ستة أعوام، أن الاحترام لا يزال مفقودًا في الشمال السوري لهذه المهنة التي “يخدم من خلالها الصحفيون بلدهم”.
الناشطات مستهدفات أيضًا
بالاستناد إلى معيار الربح والخسارة، فإن ما خسرته الصحفيات السوريات يساوي ما خسره وضحى به زملاؤهن الصحفيون، بالنظر إلى التحديات التي يواجهنها في مناطق سيطرة فصائل المعارضة على المستويين، المهني والاجتماعي.
ورغم عدم توفر إحصائيات دقيقة عن عدد الناشطات الإعلاميات والصحفيات اللاتي يعملن داخل سوريا، بات وجودهن واقعًا، وعملهن إلى جانب الناشطين بات ضرورة تزيد من حضورهن في الميدان المهني، ليصطدمن بحواجز الوضع الأمني.
الناشطة الإعلامية رهام المحمد (26 سنة)، هي إحدى الشابات اللاتي يعملن على تغطية الأحداث في ريف محافظة إدلب، وتواجه إثر ذلك مصاعب وعراقيل كبيرة.
وعن تلك المصاعب تقول رهام لعنب بلدي، “أحيانًا لا أستطيع التصوير وخصوصًا عندما يكون هناك اقتتال بين الفصائل في المنطقة، لخوفي من المساءلة على الحواجز ومصادرة معداتي الخاصة”.
لكن رهام بالمقابل تشير إلى أنها لا تجد صعوبة في جمع المعلومات من المصادر غالبًا بل على العكس فإنها تلقى احترامًا كونها فتاة، وتستثنى من هذه الميزة التي تتمتع بها لقاءات الشخصيات السياسية أو العسكرية، التي إما لا تقبل التحدث إليها، أو ترفض الإفصاح عن المعلومات إلا ضمن شروط، بحسب تعبيرها.
لا جهة تحمي الصحفيين
رغم تزايد عدد الناشطين والصحفيين في الشمال السوري منذ بداية الثورة السورية، لم تتشكل حتى الآن مؤسسة أو جسم لدعم الإعلاميين، وتأمين سلامتهم في حال تعرضوا للخطف أو التهديد أو المضايقة.
لكن اختفاء مثل هذه الجهات، ارتبط بظروف أمنية ولوجستية، وليس بإحجام العاملين في قطاع الإعلام، بينما برزت بعض التجارب وفشلت نتيجة مجموعة من الضغوطات.
الإعلامي أحمد عاصي، تحدث لعنب بلدي عن تجربته في تأسيس جسم إعلامي جامع، مات قبل أن يولد، وعن ذلك يقول، “في أيار 2017، تشكل جسم يتضمن أكثر من 130 شخصًا بين مراسل وصحفي من الذين يعملون في الداخل، وتم انتخاب مجلس إداري ووضع ميثاق شرف إعلامي لضبط العمل الصحفي على الأرض”.
“وكان هدفنا من تشكيل ذلك الجسم هو ضمان حق الصحفيين في المحرر إن تعرضوا لخطف أو اعتقال، ومنحهم بطاقات لتساعدهم بممارسة عملهم بشكل طبيعي دون أن يخضعوا للمساءلة من قبل فصيل أو جهة معينة”، بحسب عاصي، لكن تلك الأهداف لم تتحقق، وانتهى الجسم إلى زوال.
وعن الأسباب يشرح عاصي، “خُلق شرخ بين الصحفيين المنتسبين، وتم توجيه التهم بتبعية الجسم لجهات خارجية من قبل أشخاص لا مصلحة لديهم باستمرار عمله”.