لماذا فشلت ثورتنا؟

  • 2019/01/20
  • 12:00 ص
خطيب بدلة

خطيب بدلة

خطيب بدلة

أخي العزيز الحاج محمد المحترم. تحية طيبة وبعد. ترددتُ كثيرًا قبل أن أكتب إليك زاعمًا أن الثورة السورية، ثورتنا، ثورتي أنا، “فَشِلَتْ”! النظام الاستيطاني المشرش، نظام حافظ الأسد، خَرَّبَ سوريا، كما تعلم، وقلب عاليها سافلها نكاية بالثورة.. لم يكن هذا النظامُ ليتخيل، أو يقبل، أو يتهاون، أو يسامح بأن يقول مواطن سوري واحد رأيه الخاص في موضوع ما، حتى ولو قاله بين ثلاثة أشخاص مقربين منه، موثوقين.. نظامٌ أمضى في حكم سوريا أربعين سنة، ولا عملَ له، ولا هواية، ولا مهنة، ولا تسلية غير مراقبة السوريين، والتنصت على مكالماتهم، وكَمّ أفواههم، وشحطهم، وإلقائهم في المعتقلات بلا أسماء، وبلا قيود، وبلا زيارات.. فكيف، ولماذا، وأين، وعلى أي أساس يتجرأ هذا الشعب ويعمل ثورة عليه، ويقول أريد حرية، ويتوقع فوق ذلك أن يقابله هذا النظام بالرَوَاق والمحبة؟!

فشلت الثورة السورية لأسباب لا يمكن إحصاؤها، وأنا لن أنقل لحضرتك الأسباب التي يعددها المحللون السياسيون المناوبون في استوديوهات الفضائيات الناطقة بالعربية من قبيل: القمع، العسكرة، الأسلمة، صمت المجتمع الدولي، مشاركة إيران وروسيا وحزب الله والميليشيات الطائفية (الشيعية) في قتال النظام ضد الشعب الثائر، ولكنني سأحاول البحث عن الأسباب الأخرى.

برأيي أنها، مبدئيًا، فشلت لأن القسم الأكبر من معارضي نظام الأسد كفوا عن معارضته منذ زمن طويل.. المتطرفون منهم الذين كانوا لا يرضون بديلًا عن الإتيان به مكبلًا بالحديد ضمن قفص ثم محاكمته على الجرائم الضخمة التي ارتكبها بحق الشعب السوري، وإعدامه، صاروا يقبلون بتَنَحِّيه ومغادرته البلادَ بلا ضجيج، ثم صغرت مطالبهم حتى أصبحت تقتصر على عدم ترشحه للرئاسة في سنة 2021، لأن احتمال نجاحه بنسبة عالية قائمة رغم الدماء التي ما زالت تقطر من يديه.

ولكن تساهلهم مع النظام يقابله ازديادٌ في وتيرة تشددهم حيال المعارضين. ادخل إلى صفحات “السوشيال ميديا” لواحد من الثوار، لا على التعيين، واعمل إحصاءً صغيرًا لعشرة من منشوراته، تجد تسعة منها مخصصة للسباب على المعارضة والمعارضين، ومنشورًا واحدًا يلقي اللوم على النظام، كما لو أنه يكتب هذا المنشور الخجول لإبعاد اللوم وفض العتب.

أنا أعرف أن ذاكرتك قوية، لذلك تشاركُني التأكيد على أن معظم التعليقات على صور المخيمات السورية في لبنان في أثناء العاصفة الثلجية (نورما) لم تأتِ على ذكر ابن حافظ الأسد الذي أخرج هؤلاء الناسَ من ديارهم، وإنما اقتصرت على التعليق بعبارة: شوفوا أيش صار بالسوريين يا معارضة الكلب! ولعله من الطريف أن أذكرك بأن أحدهم اعتبرَ سبب هذه المآسي كلها هو الأكاديمي المعارض الدكتور برهان غليون!

نظام الأسد طائفي، بلا أدنى شك، والميليشيات والحثالات التي جاءت لتحارب معه طائفية مثله وأكثر، ولكن معظم الثوار والمعارضين الذين يتحدثون عنهم طائفيون، ليس هذا وحسب، بل هم عنصريون، ومتزمتون عقائديًا، وكل يومين أو ثلاثة يطالعنا أحدهم بمنشور يسيء فيه لمعارضي الأسد الحقيقيين، يتطاول عليهم، ويفتري، ويسب، ويخوّن، وحينما ينتهي من الذين على قيد الحياة يبدأ بالأموات. أسفي على ثورتنا.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي