إبراهيم العلوش
يرتجف السوريون من البرد في المخيمات، وتقتلع العواصف خيام اللجوء، ويرفضون العودة إلى أحضان نظام الأسد، فالعاصفة نورما، ومن بعدها العاصفة ميريام، هزتا الضمير العالمي، وأعادتا إلى الواجهة صورة الوضع السوري، وموقف الشعب السوري الرافض لنظام الأسد، واستمرار السوريين تحميل هذا النظام مسؤولية ما حصل في البلاد من تخريب وتعذيب وتعفيش، وإرهاب.
منذ بدء مطالبة الناس بالحرية، نظر رجال النظام وشبيحته إلى الشعب السوري بطريقة دونية أحلّت لهم الممارسات الوحشية، وجعلوا من أنفسهم سادة، وما على العبيد في مزرعة الأسد إلا الخضوع لإرادة أرباب النظام المتمسك بأوهامه الإقصائية للشعب الموصوم بالجهل وبالإرهاب.
وقد تم اتهام الشعب بالجهل، رغم أن فيه إحدى أعلى نسب التعلم في المنطقة، وأن رجال النظام هم الأقل تعلمًا، والأكثر جهلًا، فمعظم ضباط الجيش الأسدي هم من الفاشلين دراسيًا، ومن الحاصلين على علامات متدنية، والمتعلمون من شبيحته معظمهم من خريجي الواسطات، والعلامات المفبركة من قبل استثناءات الشبيبة، واستثناءات الدورات المظلية، ومن خريجي البعثات في روسيا، وأوروبا الشرقية، إبان النجاح بكروز مالبورو، وأخذ الدكتوراه بلتر ويسكي.
واتهم النظام الشعب السوري بالإرهاب رغم أن الوسطية واللطف هما أهم ما يميز السوريين في تعاملهم مع الآخرين، وطبعًا بعد استثناء رجال المافيا الأسدية وممارساتهم في السجون، وفي المعتقلات السورية واللبنانية. وما هو الإرهاب إن لم يتجلَّ في الشبيحة، وفي حواجز المخابرات وأقبيتها، وفي البراميل المتفجرة التي هجّرت نصف الشعب السوري من بيوتهم داخل البلاد وخارجها.
اليوم يموت السوريون في مخيمات عرسال بلبنان، وتتطاير خيامهم في أطمة قرب الحدود التركية، ويعصف الغبار بهم في مخيم الركبان قرب الحدود الأردنية، وتفتك بهم عاصفتا البرد نورما وميريام، في حين نجد أن تلفزيون النظام يتجاهل كل هؤلاء البشر، ويطالب بجمع المساعدات لليمن. وما تباكي دريد لحام على أطفال اليمن الذين دمرتهم الحروب الإيرانية إلا تعبير عن احتقار هذا النظام ومنظومته للشعب السوري، وتجاهل معاناته، خاصة وأن منظومات استيطانية إيرانية صارت أمرًا واقعًا في الحياة الدمشقية، وفي كثير من المدن والأرياف السورية، التي صار ينتظم فيها استيطان الميليشيات الإيرانية والأفغانية والعراقية في بيوت السوريين الذين فروا من عسف النظام، ومن ممارساته الإرهابية.
في الطرف الآخر نجد أن عاصفة البرد والجوع تعصف بسوريّي الداخل أيضًا، فالذين لم يهربوا من بيوتهم وصبروا، يجدون أنفسهم بلا كهرباء وبلا وقود، ما يجعل حالتهم لا تقل سوءًا عن ساكني المخيمات، حتى إن عددًا غير قليل من سكان مدينة حلب فروا إلى المناطق التي لا يسيطر عليها الشبيحة، ولا يتحكمون فيها بالمازوت ولا بالغاز ولا بالمواد الغذائية، فمناطق سيطرة النظام وجدت نفسها اليوم في منظومة تجار الحرب، القائمة على الابتزاز والتهديد بالقتل والخطف والاعتقال، لتنتج ثرواتها التي تتضخم كل يوم في الكباريهات، وفي حفلات الزفاف، وما إلى ذلك من مظاهر براقة تتسم بها طبقة تجار الحروب، فمنظومة الإنتاج الاقتصادي والثقافي والأخلاقي تم تدميرها بنشر الخوف والقتل في البلاد.
وهكذا انتشرت في وسائل التواصل الاجتماعي والميديا، رسائل موجهة من المؤيدين إلى بشار الأسد تناشده فيها إنقاذهم من هذه الطبقة الشرسة من كبار الشبيحة الذين التفتوا إلى خطف أبناء المؤيدين، وابتزاز من حمل السلاح للدفاع عن كرسي الأسد وعن نظامه. وبلغ الأمر بمبالغة البعض من أصحاب الرسائل في استعراض بطولاتهم في تخوين السوريين، وقتلهم، وتهجيرهم، لوقف المؤامرة العالمية على “سوريا الأسد”، وما إلى ذلك من جمل النفاق التي تنزّ بالخوف، وبالتذلل، وبالتسول من القتلة، ومن قائدهم المفدى الذي لا يدري -كما يزعمون- بما يدور في الشارع المؤيد من خوف، ومن جوع، ومن حاجة، ناهيك عن غموض المستقبل مع هذا النظام الذي أودى بالسوريين قبلهم إلى المخيمات، وحوّل بيوتهم إلى آثار خربة، وسلم البلاد للروس والإيرانيين بمعاهدات استعمارية تمتد عشرات السنين، وربما أكثر من ذلك بكثير إذا تم توطيد نصر هذا النظام ضد السوريين.
اللافت للنظر أن الروس والإيرانيين، الذي قاموا بكل هذا التدمير والقتل، نأوا بأنفسهم عن مطالبات السوريين بالكهرباء والخبز والغاز، وبوقف حالات الخطف والاعتقال التي صارت تطال مؤيدي النظام!
أما أجهزة المخابرات فسارعت بالتخويف، وبالتهديد، لكل من يرفع رسالة رجاء، أو طلب من “السيد الرئيس المفدى”، فوقته الثمين لا يسمح له بالالتفات إلى الأمور الثانوية، خاصة وأنه مشغول بتوطيد النصر الكبير، الذي أحرزته سوريا ضد المؤامرة الكونية، وقد اضطر الشيخ أحمد شلاش للاعتراف بأن “السيد الرئيس هو بشر مثلكم” وهذا حدث كبير!
مؤيدو النظام اليوم هم موضوع النظرة الدونية، وهم موضوع الاحتقار من قبل أجهزة النظام، ولن يترك لهم النظام إلا خيار الصمت، والقبول بأكاذيبه، وجرائمه، وبالتالي لن يكون له طعم آخر في حياتهم غير طعم المرارة التي أذاقها للسوريين، والحل الوحيد أمامهم هو أن يقتنعوا مع كل السوريين بأن هذا النظام واحد، واستبداده واحد، والخلاص منه هو السبيل الوحيد لإنهاء معاناتنا جميعًا.