محمد رشدي شربجي
لم تكن الرياضة يومًا منفصلة عن السياسة، تشجيع الرياضة هو جزء من كل برنامج سياسي لأي حزب في العالم، يحضر الرؤساء بصفتهم السياسية مباريات منتخباتهم، وتتسابق الدول (بالقانون وغالبًا بالمال والاحتيال) لاستضافة البطولات الكبرى، ثم تسوّق استضافة هذه المسابقات داخليًا ليستفيد منها هذا الحزب أو ذاك. وخلال العام الماضي هدد ترامب “رعاياه” من الدول، إن هم صوتوا ضد الملف الأمريكي لاستضافة كأس العالم 2026.
وليس هذا الحال بجديد، فالبطولات الرياضية احتاجت قرارًا إمبراطوريًا للسماح بها ولمنعها، ولعل التسييس بلغ أشده خلال القرن الماضي مع اشتعال الصراعات القومية والأيديولوجية في القارة الأوروبية، فقد استغل موسوليني استضافة كأس العالم في إيطاليا عام 1934 للتسويق لنظامه الفاشي، ومثله فعله هتلر (الذي كان وزير دعايته جوبلز يقول مبالغًا إن الفوز بمباراة دولية أهم من السيطرة على مدينة ما) مع أولمبياد برلين 1938، وهو ما قد يبرر الانتقاد التقليدي -الذي تلاشى الآن- لليسار للبطولات الدولية، باعتبارها أداة يمينية للسيطرة على الجماهير وإذكاء المشاعر القومية لديها. وبعد الحرب عوقبت إيطاليا وألمانيا لسنوات بالحرمان من المشاركة في البطولات الدولية.
واستمر هذا الشد والجذب خلال الحرب الباردة، حيث استثمرت كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي في الرياضة بغية هزيمة كل طرف للآخر في كل ميدان، وهو ما قد يفسر جزئيًا التغاضي من قبل الدولتين عن تعاطي المنشطات لدى فرقهما.
وأدى الغزو السوفييتي لأفغانستان إلى مقاطعة دول المعسكر الغربي لدورة الألعاب الأولمبية في موسكو 1980، ليقاطع الاتحاد السوفييتي بدوره البطولة في لوس أنجلوس 1984. وفي عام 1972 تعرض لاعب الشطرنج السوفييتي بوريس سباسكي لموجة من النقد الإعلامي والشعبي بعد هزيمته أمام نظيره الأمريكي في أيسلندا، ما دفع اللاعب في نهاية المطاف إلى مغادرة البلاد نحو فرنسا.
وسيجد المتابع حالات مشابهة كثيرة سواء في الحاضر أو الماضي القريب لاستخدام السياسة للرياضة كلما سنحت الفرصة. أحيانًا يكون الأمر فجًّا ووقحًا كحالة دولنا العربية التي “تزين” صور الرؤساء والملوك مدرجاتها وكل ما يخصها، أو بشكل أكثر ذكاءً كحالة الدول الديمقراطيّة، ولعل هذا عائد لطبيعة الدول نفسها باعتبارها “سيدة مجالها” التي لا تقبل أن ينازعها أحد، كما نظر لذلك توماس هوبز في “اللويثان”.
ولسوريا خصوصيتها في هذا الفصل العجيب، فخلال الأسابيع الماضية صدع أنصار الأسد رؤوسنا بضرورة فصل السياسة عن الرياضة، وهو كلام موجه لنا فقط نحن المعارضين بطبيعة الحال، أما حقيقة أن رئيس الاتحاد الرياضي هو ضابط سابق في جيش الأسد، وأنه يهدي كل نصر للأسد وكل هزيمة للشعب، وأن صورة بشار الأسد موجودة على كل قطعة من ثيابه، وأن سجون الأسد مليئة بالرياضيين، وأن الولاء السياسي مقدم على غيره للانضمام للمنتخب، فهذا ما على أنصار الفصل العجائبي أن يتجاهلوه من أجل الوطن، وطن ماذا؟ وطن المسالخ والمذابح والبراميل والمخيمات وطوابير لا تنتهي على الغاز والماء والخبز والمحروقات وتأجيل الجيش وتأشيرات الخروج.