يواجه معتقلو مدينة داريا الأوائل تغييبًا عن أهاليهم والعالم الخارجي منذ قرابة 4 سنوات، وسط غموض وتعتيم حول مصيرهم، بينما يعلن نظام الأسد بشكلٍ متقطع وفاة عددٍ منهم تحت التعذيب.
وبحسب الإحصائيات لا يزال بعض شباب داريا المشاركين في مظاهرات التغيير السلمي بداية الثورة، والذين يُشهد بوعيهم وطموحهم للوصول إلى دولة الحرية والعدل والكرامة في غياهب السجون منذ أكثر من 3 سنوات؛ لأن الأسد يعلم تمامًا أن خروجهم يعني تغييرًا وتوجيهًا للحراك الذي تتضارب فيه المشاريع والتيارات.
ترك بعض هؤلاء أجنّة في رحم زوجاتهم ولا يعرفون إلى الآن ما إذا رزقوا بابن أو ابنة، وزوجاتٍ ذقن الأمرين بفقد أزواجهن واستشهاد إخوتهن، وأمّهات لا تفارق الدمعة أعينهن تدعو لهم على سجادة الصلاة كل ليلة وترجو الله أن ينتقم من سجانيهم.
وعرف نظام الأسد، منذ أحداث حماة ولبنان ثمانينيات القرن الماضي، بوحشيته في التعامل مع المعتقلين والتفنن بالإجرام بحقهم، وفق ما وثقته المنظمات الدولية المعنيّة بحقوق الإنسان.
وأظهرت تسجيلات مسربة من سجون الأسد (تشابه ما نقله عددٌ من المعتقلين السابقين) طرق التعامل مع الأسرى وتعذيبهم بالشبح والصعق وأساليب أخرى لا ترقى بأي صورة إلى الإنسانية.
وبعد 4 سنوات يفارق بعض هؤلاء الحياة تحت التعذيب، ليرتاحوا بذلك من رعب السجان ومن الجوع والخوف والبرد، كمازن زيادة الأسبوع الماضي وعبد الرحمن كمون قبله، وغيرهم الكثير الذين تتوارد أنباء عن استشهادهم تحت التعذيب؛ فهل هي راحة بالفعل أم أنه توفّي وفي قلبه غصة بعد أمل طويل برؤية أهله وأولاده من جديد؟
إن الصورة المنقولة إلى الأهل هي طعام المعتقلين العفن الذي تعافه النفس.. ساعات الانتظار التي يقضيها قبل أن يخرج للعقوبة، والألم الذي يحل به بعد انتهائه منها.. الأرق الذي يعيشه ليلًا بانتظار تحريره أو الإفراج عنه.. الاحتقار والذل والإهانة من وحوش على صورة بشر.. جدران الزنزانة التي تخنق أضلعه.. البلاطة المخصصة له لينام عليها وصوت المفاتيح التي كلما سمعها يرجو أن تحمل خبر الإفراج عنه.
وعليه، بات بعض أهل المعتقل وذووه يرجون الفرج عنه بأقرب فرصة وإلا فالموت راحةٌ له، لكنّهم بكل تأكيد يفكرون بذلك وقلوبهم تحترق على فراقه؛ في الوقت الذي يتمسك المعتقل بحقه في الخروج رغم يأسه وإحباطه، لكن جهل الأهل بمصير أبنائهم جعلهم يطلبون له “الراحة” بأي طريقة.
بين الخوف والرجاء يناقش الأهالي اليوم تساؤلات فيما إذا كان معتقلونا حقًا مشروع شهادة كما باتت الصورة النمطية في أذهاننا، أم أنهم سيعودون يومًا ويدخلون الفرحة على قلوب أهاليهم بعد سنوات من الانتظار.