مدرسة عمار والأبواب المحطمة

  • 2019/01/13
  • 2:30 ص

إبراهيم العلوش

مدرسة عمار بن ياسر التي تقع عند تقاطع شارع سيف الدولة، وشارع هشام بن عبد الملك في الرقة، وفيما تبقّى منها يداوم الطلاب، وصفوفها بلا أبواب في هذا الصقيع القاتل، الذي يخنق السوريين في بلادهم، وفي بلدان اللجوء، كما ذكرت صحيفة عنب بلدي، نقلًا عن أحد ناشطي الداخل وهو محمد عثمان.

السؤال هو: من بدأ بقصف مدرسة عمار التي درسنا فيها، وقضينا فترة طفولتنا، وفتوتنا فيها؟

الجواب سهل، فطائرات النظام الأسدي قصفت مدرستنا منذ العام 2013، وتصاعد القصف بعد طرد قوات النظام وأجهزته المخابراتية، وقوات الدفاع الوطني الإيراني منها في آذار من ذلك العام.

في الأسبوع الأول من آذار، أغارت الطائرات على مكتبة المركز الثقافي بالرقة، والتي كانت تحتوي على أكثر من 50 ألف كتاب، والمركز الذي يقع على بعد 500 متر باتجاه الغرب من مدرستنا، التي نالها القصف قبل يوم أو يومين بحجة أن الإرهابيين دنسوها، ذلك اليوم الذي شهد قصف المدينة كان يومًا قاسيًا على قلوبنا، وعلى قلوب أبناء مدينتنا، فالطائرات تقصف المدارس، والمكتبات، والمرافق العامة بجنون غير مسبوق، إذ كان القصف سابقًا عبارة عن مقطوعات من القصف المدفعي والهاون، واستطاع الأهالي تدبر أمورهم تحت ذلك الظرف القاسي، ولكن القصف الوحشي الذي بدأ بتدمير مدرسة عمار بن ياسر وغيرها، كان في ذلك اليوم الأسود.

منذ أيام طفولتنا الأولى وفي الساعة الثانية عشرة ظهرًا، من كل يوم تاريخه 25 من كل شهر، اعتدنا على سماع صفارات الإنذار تملأ الدنيا رعبًا وضجيجًا، فقد كان الدفاع المدني يتدرب على إطلاق صفارات الإنذار خشية أن يغزونا العدو الإسرائيلي الغاشم، ويسلب جزءًا جديدًا من جسد الأمة العربية، العزيز على قلب القيادتين القومية والقطرية، وخاصة قلب السيد الرئيس، وقلوب قادة جهاز الأمن العسكري.

ورغم أن أصوات الإنذار كانت مرعبة، ولكننا اعتدنا كأطفال على الفخر بيقظة القيادة والجيش والسيد الرئيس، وحرصهم على مدارسنا وبيوتنا وأهلنا، وصار سلاح الجوي الذي يحلّق مفاخرًا بقدراته، موضوعًا مفضلًا لكتابة الإنشاء في المدارس، ناهيك عن التلاميذ الذين يضاعفون جهودهم في الدراسة، من أجل أن ينضموا إلى صفوف قواتنا الباسلة، ونسور الجو الميامين، كما كان يعلن التلفزيون الرسمي في كل صيف.

حتى جاء ذلك اليوم الأسود من آذار، وبدأ القصف الجوي والمدفعي على الرقة، والذي تسبب بتهجير كامل سكان المدينة، مع نازحيها الى الأرياف، والقرى، وإلى المدن، والدول المجاورة وغير المجاورة، ومعظم الناس لم يرجع حتى اليوم إلى الرقة، بعد ذلك القصف الذي دمّر صفوف مدرسة عمار بن ياسر، ودمّر البيوت، وقتل الناس أمام أهاليهم. لقد اكتشفنا حينها، وكنا قد بلغنا الخمسين، بأننا كنا مخدوعين، والأسلحة التي كنا نفتخر بها لحمايتنا من الأعداء، استعملها أبناء بلادنا لتدميرنا ولتهجيرنا، ومن ثم لوصمنا بالإرهاب، بعدما أطلقوا علينا كل شياطين الأرض لتشويه صورتنا، وكل ذلك لأننا طالبنا بالحرية، وبالكف عن عبادة الأب القائد وسلالته!

طبعًا لم يتوقف استهداف مدرسة عمار بن ياسر من قبل النظام، عبر القصف من موقع الفرقة السابعة عشرة شمال المدينة، أو من اللواء 194 الذي كان يطلق صواريخ متوسطة المدى مستهدفًا حماية المدينة وأهلها من الإرهابيين، ولا بأس بالتضحية بالمدينة، وبأهلها من أجل تطهير البلاد!

واستكملت داعش مهمة تدمير مدرسة عمار، ومنعت الدراسة فيها أسوة بمعظم مدارس الرقة، فالعلم هو سمة غربية، وحسب زعمهم لا يجوز تدنيس المسلمين بهذا الدنس العقلي، والأفضل إبقاؤهم جهلة، وأبرياء وعلى الفطرة السليمة كما خلقهم الله، وهكذا تم تجنيد الأطفال والجهلة في صفوف البغدادي، من أجل استكمال مخططات التدمير لمدرسة عمار، وللرقة، ولكل سوريا.

الدمار الأخير والحاسم، الذي أصاب مدرسة عمار والرقة، كان من طائرات التحالف الدولي، بالتعاون مع باعة الإحداثيات، الذين يتسلون بمتابعة تدمير البيوت، كأنهم يتفرجون على فيلم آكشن، أو لعبة تدمير إلكترونية مثيرة وجذّابة، والتي أدت إلى تدمير بيوتنا ومدينتنا، والحجة دائمًا موجودة وهي القضاء على الارهاب، ولا بأس من القضاء على المدينة، فـ 80% من مباني وبيوت الرقة تم استكمال تدميرها، وها هم من دمروها يستعدون للانسحاب مع مرتزقتهم دون أن يعيدوا حجرًا فوق حجر.

ومثلما ذكرت الأنباء، فإن مدرسة عمار بن ياسر التي درسنا فيها، تم تدمير معظمها، تمامًا مثلما تم تدمير معظم المدارس التي ارتادها القراء الأعزاء، وحتمًا الهدف واحد، وهو عبارة عن كومة من الأكاذيب المرتبطة بالإرهاب.. وطبعًا من أجل أن تحيا الأمة العربية، والأمة الإسلامية، ولا أحد من أصحاب هذه الأهداف المطّاطة يعبأ بنا ولا بمدارسنا، ولا بحالتنا، في هذا الثلج، وفي هذا الصقيع الذي ينخر عظامنا.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي