إدلب بيد “تحرير الشام”.. عملية عسكرية أم توافق بتنازلات؟

  • 2019/01/13
  • 1:40 ص

مقاتلون من الجبهة الوطنية للتحرير في معسكر تدريبي بريف إدلب - 2018 (عارف وتد afp)

عنب بلدي – ضياء عودة

استأثرت “هيئة تحرير الشام” بحكم إدلب مدنيًا وعسكريًا بعد العملية العسكرية التي بدأتها ضد فصائل “الجيش الحر” العاملة في المحافظة، خلافًا لما طرحه “أبو محمد الجولاني” بعد السيطرة على المحافظة، في آذار 2015، إذ قال حينها إن “جبهة النصرة” لا تفكر بحكم المنطقة بقدر ما تتولى زمام أمورها “بعدل شريعة الله التي تحفظ دين الأهالي وأموالهم وأعراضهم وتبسط الشورى وتعدل بينهم”.

يبدو أن مشروع “النصرة” (المنضوية في تحرير الشام) قد تم تطبيقه على الأرض، لكنه جاء في ظرف “حساس”، مع سريان اتفاق “سوتشي” الموقّع بين روسيا وتركيا، في أيلول 2018، والقاضي بإنشاء منطقة عازلة بين النظام والمعارضة وفتح الطرقات الدولية أمام التجارة والمدنيين، ما يفتح عدة سيناريوهات أمام مصير إدلب سواء عملية عسكرية بحجة القضاء على “الإرهاب”، أو التوصل لتوافق مقابل تنازلات قد تقدم عليها “الهيئة”.

ورغم تحييد “تحرير الشام” عن الاتفاق الروسي- التركي، إلا أنها التزمت ببنوده في الأيام الماضية، وخاصةً وقف إطلاق النار، إذ لم تقدم على عملية عسكرية ضد مواقع قوات الأسد، كما وافقت على نشر نقاط المراقبة التركية في المحافظة سابقًا، ورافقت الأرتال التركية في أثناء دخولها إلى ريف حلب الغربي في بداية التدخل التركي.

ومع التطورات المتسارعة التي شهدتها إدلب كبداية لعام 2019 تكثر التحليلات حول المستقبل الذي ستكون عليه، لكنه بالمجمل غامض مع غياب التصريحات الواضحة من الجانب التركي، والتخبط الذي شهدته الفصائل العاملة في المحافظة، والتي لم تقدر على الاحتفاظ بمواقعها رغم التهديدات التي أطلقتها في بداية هجوم “تحرير الشام”.

مشروع قديم بانتظار تحركات “الهيئة”

تترجم التحركات التي أقدمت عليها “تحرير الشام” في إدلب بينها توسيع دائرة النفوذ على الأرض والنفوذ الإداري لـ “حكومة الإنقاذ” بنيتها التحكم بمفاصل إدلب كاملة، في خطوة للدخول في المفاوضات الخاصة بالمحافظة، وخاصة اتفاق “سوتشي”، ولا سيما أن البند الثاني منه هو فتح الأوتوسترادات التي من المفترض أن يتم تطبيقه حاليًا.

ويأتي الدخول في المفاوضات من جانب “الهيئة” بصورة غير مباشرة، لم تكن وليدة الفترة الحالية بل خطط لها سابقًا، منذ الحشود التي استقدمتها إلى محيط دارة عزة في الريف الغربي لحلب ومعرة النعمان في ريف إدلب، مطلع كانون الأول 2018.

ويرى مصدر في “الجيش الحر” (مطلع على تواصل فصائل الجيش الحر بالجانب التركي) أن المشروع الروسي- التركي القديم بشأن مستقبل محافظة إدلب لا يزال قائمًا حتى اليوم، وهو القيام بعملية عسكرية مشتركة بين روسيا وتركيا ضد “تحرير الشام” في حال عرقلت بنود الاتفاق بينهما.

ويقول المصدر لعنب بلدي إن المشروع من المفترض أن يتغير بناء على تحركات “تحرير الشام” في الأسبوعين المقبلين، سواء بتسهيل تنفيذ البند الثاني وعزل التيار المتشدد فيها، كخطوة أولى للاندماج مع بقية الفصائل وتشكيل “جيش موحد” في إدلب.

الجيش التركي كان قد استقدم تعزيزات عسكرية، في يومي 11 و12 من كانون الثاني الحالي، وتركزت في ولاية هاتاي على طول الحدود الفاصلة مع سوريا من جهة إدلب، ولم يقتصر الأمر على ذلك بل عقد مسؤولون أتراك رفيعو المستوى اجتماعًا على الحدود السورية، لبحث التطورات الأخيرة في الشمال وخاصة مدينة إدلب.

وقالت وزارة الدفاع التركية عبر “تويتر”، 12 من كانون الثاني الحالي، إن الاجتماع ضم وزير الدفاع، خلوصي آكار، ورئيس الأركان، ياشار غولر، وقائد القوات البرية، أوميت دوندار، ورئيس الاستخبارات، هاكان فيدان، ووصفت وسائل إعلام تركية، منها وكالة “CNNTURK”، الاجتماع بـ “الحاسم”، وتناول التطورات شمالي سوريا.

في صالح النظام والروس

من جانب آخر شهدت الجبهات الفاصلة من جانب النظام السوري، بعد توسع نفوذ “تحرير الشام”، تحركات عسكرية إذ وصلت تعزيزات من جانب قوات الأسد إلى ريف حماة الشمالي، ونقل مراسل عنب بلدي عن شاب من قرية الجرنية أن قوات الأسد طلبت من سكان بعض المنازل إخلاءها، في خطوة للتمركز فيها بعد وصولهم إلى المنطقة.
ويرى رئيس وفد “أستانة” سابقًا، العميد أحمد بري، أن ما يحصل في محافظة إدلب حاليًا يتمناه الروس والإيرانيون ورئيس النظام السوري، بشار الأسد.

ويقول إن الروس بحاجة إلى فصيل متجانس وقرار موحد يسيطر على الطرق التي سيتم فتحها بموجب اتفاق “أستانة”، مضيفًا “أن يكون هذا الفصيل أيضًا ضعيفًا دوليًا ومصنفًا على قوائم الإرهاب في الأمم المتحدة والولايات المتحدة وبمعظم دول العالم”.

وبحسب بري، “بإمكان روسيا أن تتلقى دعمًا دوليًا ماليًا وتأييدًا عالميًا للقضاء على النصرة، وإن الدور الوظيفي للوضع الراهن هو لخدمة الروس والنظام 100%”.

ويشير، “لاحظنا أنه عندما قرر الروس والإيرانيون شن الحملة منذ حوالي ثلاثة أشهر كيف وُجدت معارضة أمريكية وأوربية، وعلى رأسها ألمانيا وفرنسا وأيضًا تركيا فقرر الروس الاتجاه للخطة (ب)، والتي تتمثل أن تسيطر تحرير الشام على المنطقة، ومن ثم لن يكون هناك أي معارضة، أو تحرك دولي لوقف هجومها على إدلب، مستغلة وجود الميليشيات الشيعية، والتي ستكون آخر أدوارها في سوريا بعد هذه العملية”.

ويتوافق حديث بري مع رؤية المتحدث الإعلامي لوفد المعارضة إلى “أستانة”، أيمن العاسمي، والذي يعتبر أن العملية التي أقدمت عليها “تحرير الشام” تصب في صالح النظام السوري والروس، لكنه يقول إنها لم تؤثر على اتفاق “سوتشي”، كون المواجهات التي حصلت داخلية ولم تشمل جبهات النظام السوري.

ويقول العاسمي لعنب بلدي “أتوقع أن نشهد حلًا قريبًا، وفي الأيام المقبلة كل السيناريوهات واردة”.

وعن احتمالية دخول “تحرير الشام” على الخط التفاوضي يضيف أن التصنيفات الدولية بخصوص “الإرهاب” ليست ثابتة ويطرأ عليها تغييرات، كحركة طالبان التي تدخلت بالتفاوض كونها قوة موجودة على الأرض، وهو أمر يشابه ما عملت عليه “الهيئة” حاليًا.

“حكومة الإنقاذ” تضع خططًا للإدارة

بالانتقال إلى “حكومة الإنقاذ” والتي تصدرت بيانات الاتفاق بين “تحرير الشام” وباقي فصائل إدلب في أثناء المواجهات، تعمل على وضع خطط جديدة لإدارة إدلب بشكل كامل بعد دخولها إلى المناطق المسيطر عليها حديثًا من قبل “الهيئة”.

ويقول بسام صهيوني رئيس الهيئة التأسيسية التي تشكلت بموجبها “حكومة الإنقاذ”، “هناك خطة لإدارة المحرر أعدت مسبقًا لإشراك جميع المناطق في الهيئة التأسيسية والتي تعتبر بمثابة البرلمان”.

ويضيف صهيوني لعنب بلدي، “نحن ننطلق بعدة اتجاهات أبرزها الشق البرلماني وتنظيمه لإشراك جميع الموجودين على الأرض من جميع المحافظات (…) هذا الأمر بداية العمل لإدارة جديدة”.

وبحسب صهيوني “هناك آلية واجتماعات مكثفة للوزارات من أجل مناقشة هذه الأمور، ومن الناحية العملية تم ضبط وجرد مقتنيات ومحتويات الأماكن التي دخلت إلى الحكومة جديدًا”.

ويقود حديث صهيوني عن الخطة المسبقة لإدارة “المحرر” إلى إجراءات عملت عليها “تحرير الشام” بشكل مسبق للإقدام على الخطوة الحالية، وهي الاستئثار بمحافظة إدلب لفرض لأمر واقع جديد هدفه الأساسي الدخول في المفاوضات الروسية- التركية.

ونشأت الحكومة في ظل تعقيدات عاشتها المنطقة وتدخلات دولية وتجاذبات داخلية، أبرزها سيطرة “تحرير الشام” على مفاصلها بشكل غير مباشر، واستمرار عمل “الحكومة السورية المؤقتة”.

وبين تضارب الاعتبارات، بين ضرورة الحكومة لإنقاذ إدلب، وبين تشكيلها من قبل القائد العسكري “تحرير الشام”، “أبو محمد الجولاني”، لبسط نفوذه بشكل خفي في المنطقة، أعلن عن تشكيل “حكومة الإنقاذ” في الشمال السوري، في 2 من تشرين الثاني 2017.

ويبقى تطبيق أحد السيناريوهات المطروحة سابقًا مرهونًا بما ستخرج منه القمة المقبلة بين الرئيسين فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان في موسكو الشهر الحالي، والتي تأتي في ظل تطورات سياسية وعسكرية على الساحة السورية تتصدرها إدلب ومنبج في الريف الشرقي لحلب، والتي تسيطر عليها “وحدات حماية الشعب” (الكردية).

مقالات متعلقة

سوريا

المزيد من سوريا