محمد رشدي شربجي
هناك علاقة مشبوهة بين السلفية الجهادية والجدار، هذه القدرة والإتقان النادر على تكرار ذات الأخطاء بحذافيرها تشي أن العلاقة بين الجهاديين والجدار هي أكثر من علاقة إعجاب كما ظننا، بل تتعداها إلى ما أبعد من ذلك.
منذ منتصف التسعينيات، أعلن تنظيم القاعدة حربه المقدسة على الولايات المتحدة، ومنذ ذلك الحين يطالعنا التنظيم المذكور وما شابهه ببيانات انتصارات أذلّت أنف أمريكا، بعد أن تحول المسلمون إلى لاجئين مطاردين من أقصى الأرض إلى أقصاها.
لم يسمح وجود الإنترنت وسرعة الحصول على المعلومة بانتشار خرافات كنا نسمعها أيام الجزائر وأفغانستان والشيشان وغيرها، فلم نرَ الملائكة الخضراء التي تقاتل مع المجاهدين الأفغان، ولا كرامات المجاهدين الشيشان، لم نرَ في الحقيقة إلا مجموعات من المجاهدين تطلق النار على نفسها إلى ما لا نهاية، تحترف السرقة والكذب ونكث العهود والإجرام والأهم أنها تحترف “التعباية بالحيط”.
وإذا كانت حالات الشيشان وأفغانستان والجزائر وغيرها حالات قديمة نسبيًا، لم تظهر لأتباع السلفية أنفسهم، بسبب غياب الإنترنت، كارثية السلفية الجهادية ودورها في وأد حركات التحرر الشعبية، فإنه من العجب العجاب أن تستمر هذه السلفية بارتكاب ذات الأخطاء بعد أن رأت عاقبة أفعالها في العراق وسوريا على مدى السنوات السابقة.
خلال الأسبوع الماضي تغلبت هيئة تحرير الشام، وهي ذاتها جبهة النصرة أو تنظيم القاعدة، لا فرق، على حركة نور الدين الزنكي وأحرار الشام، وهي بالمناسبة حركات سلفية جهادية تختلف عن القاعدة مجهريًا فقط، ولا تستحق إلا الشماتة بعد أن حمت تنظيم القاعدة وتحالفت معه في مراحل مختلفة، ولكنها حال السلفية الجهادية التي ما فتئت تقتل أبناءها، وبهذا يكون الجولاني قد حقق مطلب الروس بفصل المعارضة المعتدلة عن المتطرفة ولم يبقَ أمام إدلب إلا مصير الموصل.
سيحصل هجوم على إدلب، تركي روسي أو روسي فقط، وسنكون مع موعد تهجير ومذبحة جديدة. سيخرج علينا أناس كثر يذكروننا بالمؤامرة على المسلمين التي سعوا بما يستطيعون ألا نتفاداها. ألم يحن الأوان أن نتوقف عن احتراف “التعباية بالحيط” في ذات المكان في كل مرة؟ أليس من الأجدى أن نغير الجدار مثلًا؟