عنب بلدي- مراد عبد الجليل
بعد انحسار المعارك العسكرية في سوريا، بدأت الشركات الروسية بالشروع في تنفيذ العقود والاتفاقات الاستثمارية التي وقعتها مع حكومة النظام وخاصة في مجال التنقيب عن الغاز والنفط في المياه الإقليمية السورية بالبحر المتوسط.
وشهدت الأشهر الماضية تصريحات من قبل روسيا والنظام عن البدء في التنقيب عن الغاز، وكان أول إعلان رسمي، في 6 من تموز العام الماضي، من قبل وزارة الطاقة الروسية التي أوضحت أن شركات “زاروبيج نفط” و”زاروبيج جيولوجيا” و”أس تي غه انجينيرينغ” و”تيخنوبروم أكسبورت” باشرت بتنفيذ أعمال التنقيب الجيولوجي لاستكشاف موارد الطاقة في البر والبحر بسوريا.
وقال وزير النفط والثروة المعدنية في حكومة النظام، علي غانم، في 2 تشرين الثاني الماضي، إن سوريا ستبدأ مطلع 2019 بعمليات استكشاف وتنقيب عن النفط والغاز برًا وبحرًا، ووضعت “رؤية طويلة الأجل ومستهدفة لسنوات طويلة تصل إلى العام 2033 ضمن خطة الإنتاج والحفر والاستكشاف والدخول إلى المناطق المأمولة سواء البرية أو البحرية”، بحسب ما نقلت عنه منصات مجلس الوزراء في سوريا عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
من جهته أعلن رئيس جزيرة القرم (الخاضعة للسيطرة الروسية)، سيرغي أكسينوف، في 31 من كانون الأول الماضي، إمكانية إرسال منصات الحفر البحرية التابعة لشركة “تشيرنومورنفتغاز” إلى الشواطئ السورية، والقادرة على الحفر في أي عمق للتنقيب عن الغاز.
وقع الطرفان الروسي والسوري اتفاق “عقد عمريت” في 2013، من أجل التنقيب عن النفط والغاز في المياه الإقليمية السورية، ويشمل عمليات تنقيب في مساحة 2190 كيلومترًا مربعًا ويمتد على مدى 25 عامًا، بكلفة تبلغ 100 مليون دولار، بتمويل من روسيا، وفي حال اُكتشف النفط أو الغاز بكميات تجارية، ستسترد موسكو النفقات من الإنتاج. |
أرقام لا تستند إلى مسح دقيق
الشروع الروسي في التنقيب عن الغاز يأتي مع غياب أرقام دقيقة عن احتياطيات الغاز الموجودة في المياه الإقليمية السورية، لكن رغم ذلك ظهرت أرقام من مراكز دراسات، بينها مركز فيريل للدراسات في برلين الذي قدر، في تقرير له بعنوان “سوريا الثالث عالميًا في إنتاج الغاز”، في أيار 2017، احتياطي الغاز بـ 28 تريليون متر مكعب.
وفي تصريح لوزير النفط، علي غانم، في مقابلة مع “روسيا اليوم” في شباط 2018، قال إن القطاع البحري هو قطاع غاز ومأمول جدًا، وإن الاحتياطيات الموجودة في المقاطع البحرية السورية (البلوكات) كبيرة، مشيرًا إلى أن احتياطي أي بلوك من البلوكات يعادل 250 مليار متر مكعب من الغاز.
هذه الأرقام حتى الآن غير دقيقة ولا تزال تندرج في إطار التوقعات والآمال، كونها لا تستند إلى دراسات ومسح جيولوجي، وإنما هي بروباغندا إعلامية لصالح النظام السوري كما يفعل اليوم في ترويجه لمرحلة إعادة الإعمار، بحسب الخبير في مجال النفط والثروة المعدنية، عبد القادر العلاف، في حديث إلى عنب بلدي.
وتقع المياه الإقليمية السورية في حوض شرقي المتوسط الذي يطلق عليه “Levantine” ويشغل غرب الشاطئ الفلسطيني ولبنان حتى غرب اللاذقية في سوريا، والذي اكتشفت فيه احتياطيات هائلة من الغاز أكبرها كان في حقل “ظهر” قبالة سواحل مصر، وحقل”لوثيان للغاز” قبالة السواحل الإسرائيلية، إذ وصلت كمية الاحتياطيات المحتملة في كل منهما إلى 30 تريليون قدم مكعب (84 مليار متر مكعب).
لكن رغم ذلك اعتبر المحلل الاقتصادي السوري سقراط العلو أن الآراء الجيولوجية تقول إن سوريا هي الأقل في احتياطيات الغاز بالمياه البحرية، لذلك عندما عرض النظام السوري في 2013 عقود التنقيب عن الغاز لم تتقدم أي شركة أجنبية، باستثناء شركة روسية وقعت عقد استثمار لمدة 25 عامًا في حال تم اكتشاف الغاز.
وقال العلو، في حديث إلى عنب بلدي، إن هناك رأيًا جيولوجيًا بأن سوريا لا تملك احتياطي غاز في البحر، لكن مركز حوض المتوسط (الخزان الأكبر للغاز في المتوسط) هو على الجغرافيا (اليابسة) السورية، وخاصة في المنطقة الممتدة من دير عطية في القلمون حتى القسطل في حمص، المعروفة بحوض “الدو”، مشيرًا إلى أن وزارة النفط أعلنت عن اكتشافات في 2009 بالمنطقة، لكنها توقفت نتيجة اندلاع الثورة السورية.
وكان وزير النفط السابق في حكومة النظام، سفيان العلاو، قال في آب 2011 إن الاحتياطي يقدر في منطقة “الدو” 47 مليار متر مكعب من الغاز، في حين افتتح رئيس حكومة النظام السوري، عماد خميس، مشروع “غاز شمال دمشق” في أيار 2017، لاستخراج الغاز والتنقيب عنه في منطقة قارة، ويشمل المشروع عدة آبار هي “قارة 1” بإنتاجية يومية 450 ألف متر مكعب، وحقل “بريج 1” بإنتاج 20 ألف متر مربع، وحقل “قارة 3” بإنتاجية يومية تصل إلى 400 ألف متر مكعب من الغاز.
ولم تستولِ روسيا على عقود الغاز في البحر وإنما على كامل عقود الطاقة، كثمن لدعم النظام السوري خلال السنوات الماضية، إذ استلمت ملف الغاز بالكامل وثروات أخرى إلى جانب إيران، ضمن اتفاقيات وصلت مدتها إلى 50 عامًا بتوقيع رئيس النظام السوري، بشار الأسد، لإعطائها نوعًا من الديمومة، بحسب العلاف، في حين اعتبر العلو أن روسيا همشت إيران واستولت على الموارد السورية (غاز ونفط وفوسفات) بعقود طويلة الأمد، مشيرًا إلى أنها استثمرت حقول الغاز من 10 إلى 15 سنة مقابل 25% من الإنتاج.
صراع الدول.. وروسيا بدور الشرطي
التحرك الروسي في مياه سوريا الإقليمية يتزامن مع تحول حوض المتوسط إلى منطقة تنافس ونزاع بين الدول حول ثروة الغاز الموجودة، بين كل من تركيا ومصر وقبرص ولبنان، إضافة إلى إسرائيل التي تعتبر الدولة المستفيدة حتى الآن، بحسب العلاف، إذ بدأت باستخراج الغاز ووقعت اتفاقية مع مصر لتصدير الغاز لمدة عشر سنوات بصفقة بلغت 15 مليار دولار أمريكي، في حين توصلت مع كل من قبرص واليونان وإيطاليا، في تشرين الثاني، لإنشاء خط أنابيب غاز مشترك عبر البحر المتوسط.
ويدور صراع بين تركيا وقبرص حول حصة الغاز الموجودة في مياه قبرص الشمالية (التركية)، إذ أرسلت أنقرة سفينة “فاتح 1″ في تشرين الأول الماضي للبدء بالتنقيب، وسط تهديد عسكري بالتصدي لأي محاولة تعترض السفينة.
كما يدور صراع بين إسرائيل وكل من لبنان و”حركة حماس” في مدينة غزة في فلسطين على حقلي “مارن 1″ و”مارين 1” اللذين يقعان ضمن المنطقة الحدودية البحرية بين قطاع غزة وإسرائيل، أما مصر فشبه متنازلة عن الكثير من حصتها، بحسب العلاف، الذي توقع صراعًا قادمًا في شرق المتوسط حول الغاز وسط غياب النظام السوري وتسليم الملف لروسيا.
وأعرب وزير النفط، علي غانم، عن تخوف حكومته من خلافات مستقبلية مع دول الجوار في الأماكن التي يوجد فيها الغاز، معتبرًا أنه قد تحصل إشكالات لكن يمكن بالطرق والأقنية الدبلوماسية أن يحل أي خلاف.
من جهته اعتبر العلو أن روسيا قد تلعب دور الشرطي في المنطقة والمايسترو الذي يدير الاستثمارات بشكل لا يتعارض مع مصالحها، قائلًا إن روسيا لديها أكبر احتياطي غاز في العالم وتورد إلى أوروبا بنسبة 41% من الاستهلاك، وأي مصدر غاز آخر تجاه أوروبا من المتوسط سيسبب قلقًا للرئيس فلاديمير بوتين، لذلك سيمنع أي مشروع من هذا النوع إلا في حال كان شريكًا فيه ويمر بالشكل الذي يريده.
وأضاف العلو أن روسيا تمكنت من إغلاق واجهة المتوسط وقطع طريق الغاز إلى أوروبا من خلال وجودها العسكري، إذ تمكنت من قطع الطريق أمام الخليجيين وإيران بمد أنابيب غاز عبر سوريا، أما دورها في الاكتشافات الحالية فيكمن بعلاقتها الجيدة مع إسرائيل والتنسيق الأمني بينهما والشركات الروسية التي تأخذ عقود استثمار في حقول إسرائيل، كما أن الذي يسيطر على سوريا هو مسيطر على لبنان مهما كانت الحكومة المشكلة، مشيرًا إلى أن شرق المتوسط أصبح مسرح عمليات لروسيا وهي القوة الأكبر فيه.