احترقنا … هل السوريين مسؤولين عن كل المصائب حول العالم
حسنا! نحن السوريين سحقَنا نظام الأسد فقتل منا مئات الآلاف وشرد الملايين، وقضى على من تبقى تنظيم الدولة، يفتح علينا نظام الأسد النار في الدنيا، ويفتحها علينا تنظيم الدولة في الدنيا والآخرة، البعض اعتقل مرتين، مرة عند الأسد ومرة عند التنظيم، وأسماء الكثيرين مدرجة على لوائح المطلوبين عند الطرفين. ثم ماذا بعد؟
يهيم السوريون على وجوههم في بلاد الله الواسعة على غيرهم، فيطاردهم السؤال أينما حلوا وأينما ارتحلوا: هل أنت مع النظام أم مع داعش؟
والواقع أن السوريين قتلهم الإرهاب والرد على الإرهاب، والحرب على الإرهاب، ثم يجدون أنفسهم موضوعًا لأقلام الباحثين في مؤتمرات عالمية تناقش أسباب ميل السوريين نحو التطرف!
يجد السوريون أنفسهم فجأة، وبعد كل أصناف الإرهاب التي قاسوها، مسؤولين مباشرة عن كل أنواع المصائب حول العالم، فحين يهاجم تنظيم الدولة الجيش اللبناني، يرد الأخير باستهداف مخيمات السوريين، وحين يقوم تنظيم الدولة بتفجير في إقليم كردستان يكون رد الأخير بمنع منح السوريين تأشيرات الدخول للسوريين، بل حتى حينما ينقلب الجيش المصري على مرسي فإنه يبتعها بمطاردة السوريين!
وما ينطبق على السوريين في السياق العربي والمحيط بسوريا ينطبق على المسلمين في السياق العالمي، فقد حمل المسلمون مسؤولية القاعدة، ثم حملوا مسؤولية تنظيم الدولة، وفي كل مرة يرتكب فيها تنظيم الدولة وأشباهه جريمة، تنطلق الأقلام مهاجمة المسلمين في كل العالم.
يسود الآن في الأوساط الثقافية مناخ عام يميل إلى اعتبار المسلمين جميعًا «جوهرًا» ثابتًا لا يتغير، وهذا «الجوهر» سهل التوصيف والشرح وتسليط الضوء عليه، هو باختصار ما يستطيع العالم كله رمي أخطائه عليه دون شعور بالحرج.
كلما ارتكبت داعش جريمة، ينطلق «المثقفون» ليطالبوا المسلمين حول العالم بالتبرؤ من داعش، (كما يطالبون – بسياق مختلف – السوريين أن يتبرؤوا من داعش ) ومراجعة نصوصهم الدينية، مؤكدين أن داعش هي الإسلام، أو على الأقل فإن داعش تفعل ما تفعه بناء على نصوص إسلامية.
وهكذا يريد هؤلاء المثقفون من المسلمين جميعًا، من أندونيسيا إلى السنغال، أن يشعروا بالذنب والخجل لأن هناك مجنونًا يعيش بين العراق وسوريا.
لا يذكر طبعًا هؤلاء عدة مئات من المنظمات الإسلامية التي أدانت أفعال التنظيم، فهؤلاء جميعًا لا يفهمون الإسلام الذي يفهمه فقط المثقفون، كما لا يذكرون – حين يهاجمون السوريين – الآلاف من المقاتلين المسلمين السوريين الذين قتلهم تنظيم الدولة، فهؤلاء أيضًا لا يفهمون الإسلام،
ولا يذكرون أيضًا العنف عند الآخرين، حتى لو كان عنف الآخرين مولدًا لعنف داعش، فهؤلاء عنفهم يتم تحليله من عدة جوانب سياسية واقتصادية واجتماعية ونفسية، أما عند المسلمين فهو عنف مجرد أعمى ليس له سبب إلا النصوص، والحل يكمن فقط بالتبرؤ من هذه النصوص!
ولا شك لدي أن هناك نصوصًا دينية في الإسلام، أسست (مع عوامل أخرى) لوعي شديد التخلف عند المسلمين، ولكنني أعتقد بقدر كبير من اليقين أن «العوامل الأخرى» لها تأثير كبير قد يفوق تأثير النصوص ذاتها في تفسير المجتمعات الإسلامية، وهذا «العوامل» هي تنويعة واسعة جدًا من الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تحكم أي مجتمع كما تحكم في نفس الوقت رؤيته للنص الديني وفهمه له، فالجميع على سبيل المثال يعلم أن السوريين اليوم ليسوا كما كانوا قبل عشر سنوات مثلًا، وبالتأكيد فإن أربع سنوات من القهر والعذاب المتواصل دفعت مناخهم العام نحو العدمية، فهل اكتشف السوريون النصوص الإسلامية فجأة حتى أصبحوا هكذا؟
في الأسبوع الماضي، وفي طريقة هوليودية رهيبة، وضع تنظيم الدولة الطيار الأردني معاذ الكساسبة في قفص وأشعل به النار! الرحمة للسوريين إذن! خاصة من أوقعه حظه العاثر فكان سوريًا ومسلمًا في آن معًا!
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :