سارع عددٌ من شباب الجامعات أو العمال في سوريا إلى الانخراط في العمل الثوري منذ انطلاقته في آذار 2011 راهنين حياتهم لـ “التغيير”، وبذلك تغيّر مسار حياتهم بالكامل حين اضطروا لمغادرة مناطق النظام والالتحاق بالمعارضة المسلحة؛ لكن ما هو مصير هؤلاء بعد ابتعادهم عن المعارك وهل استطاعوا العودة إلى حياتهم الاعتيادية؟
تعاني الكثير من الفصائل من شح الموارد ولا تستطيع تأمين المقاتلين الذين يتركون ساحات القتال؛ في حين قصرت فصائل أخرى مع الجرحى الذين يعانون إصابات مستديمة.
وفي السياق يتحدث حسن عجم (أبو زيد) عن تجربته لعنب بلدي فيقول “كنت طالب أدب عربي سنة ثانية في جامعة حلب عندما انخرطت بالعمل الثوري، وبعد مشاركتي لأشهر في المظاهرات حملت السلاح يوم دخل الجيش الحر إلى حلب، بعد تدريبات مع بعض الرفاق في الريف”.
وبعد شهرين انتقل أبو زيد من كتيبته إلى كتائب أبو عمارة، وبقي يعمل معها حتى كانون الأول 2014 حين اضطر لترك العمل المسلح والخروج إلى تركيا باحثًا عن مصدر رزق؛ معلّلًا ذلك بالأوضاع المالية المترديّة لعائلته، خصوصًا وأن أحد أخويه معتقلٌ في سجون الأسد منذ مطلع نيسان 2012، بينما يشغل الثاني (الملقب بمحمد مشارقجي) مركز القائد العسكري لكتائب أبو عمارة.
وبينما يتمكن معظم المقاتلين السابقين من إيجاد عملٍ يكفي فقط احتياجاتهم الأساسية، يبقى المصابون منهم أسيري المشافي أو يبحثون عمّن يسدد أجور عملياتهم، كحال علاء فرهودي (أبو عمر) الذي يوضح أنه التحق بالحراك السلمي منذ بدايته ثم انضمّ إلى لواء التوحيد، مشاركًا في معركة الشيخ مقصود في آذار 2013.
ثم انتقل أبو عمر إلى حركة أحرار الشام عام 2013 وشارك في اقتحامات السجن المركزي وخناصر ومعركة السفيرة والنقارين وجبهة عزيزة، وأصيب عدة مرّات أحدها في المثانة اضطرته إلى استئصال كليته، كما أصيب بشظايا قذيفة هاون في عينه وبطنه أثناء قتاله على تخوم ثكنة هنانو صيف عام 2014.
وأجرى أبو عمر عملية جراحيةً حينها في مشفى عمر بن عبد العزيز، مشيرًا إلى أنّ عينه بحالة حرجة ولم يساعده أي فصيل ماديًا لاستدراك ما أصابها.
ويعقب مجاهد، وهو صديق مقرب لأبي عمر، بالقول “عندما سمعت أنه مصاب زرته وعلمت أنه بحاجة لسعر عين خارجية تكلف 250 دولارًا، فتبرع له أحد فاعلي الخير وأجرى العملية في تركيا بنسبة نجاحٍ تقارب 20 بالمئة”، لكنّه إلى الآن لا يرى في عينه.
ويردف مجاهد «علاء غير قادر على العمل الآن وما زال في حالة النقاهة بعد إتمامه لعدة عمليات جراحية، ووضعه المادي -مع أهله- متردٍ للغاية إضافة إلى حالته النفسية الصعبة”.
وفي حالات فريدة يضطر بعض المقاتلين إلى العمل بجانب القتال ليتمكنوا من إعالة أهلهم، كما ينقل لنا الإعلامي الميداني في الجبهة الشامية أبو يزن الحلبي “قابلت مجاهدًا رفض التصريح عن اسمه، في جبهة العقرب بالراشدين، ثم في جبهة المدينة الصناعية والشيخ نجار والملاح؛ لكنني التقيت معه صدفةً في مدينة كلس يقود سيارة أجرة”.
ويقول السائق إنه يعمل أسبوعًا في كلس ليجمع المال ويرسله إلى أهله في المخيم، ثم يعود إلى الجبهة، كما ينقل أبو يزن، الذي يعقب “يكثر الحديث عن مقاتلي الجيش الحر وسرقاتهم، لكن لا نلتفت إلى باقي الحالات، إذ يوجد الكثير من الشرفاء فيه؛ وأنا أعلم الكثير من المقاتلين الذين يتناوبون على العمل في تركيا لتأمين عائلاتهم ثم يعودون إلى القتال في الجبهات”.
ويرى ناشطون حقوقيون أن تأمين هؤلاء المقاتلين واجبٌ على المنظمات الداعمة والجهات المعنية في المعارضة السياسية، لأن ذلك يرجح كفتهم في وجه الإمداد الذي يتلقاه مقاتلو الأسد.