تعنى المنظمات والجمعيات الإغاثية والإنسانية بآلاف المواطنين في سوريا وخارجها، في ظل الأوضاع الاقتصادية المتدهورة والنزوح الخارجي والداخلي الذي لحق بمئات آلاف السوريين، بيد أن بعض هذه المنظمات شابها فساد مالي وإداري، وخصوصًا تلك التي تقع في مناطق نفوذ نظام الأسد.
وفي حماة تبرز جمعية الرعاية الاجتماعية كأهم وأقدم منظمة تعنى بالحالات الإنسانية المتأزمة في المدينة التي تخضع لسيطرة النظام، وتعرف عن نفسها بـ ”جمعية خيرية مستقلة ماليًا وإداريًا، تعنى بالفقراء والمساكين بشتى المجالات الاجتماعية والإنسانية والطبية والتعليمية»، إلا أن فسادًا ماليًا بدأ مؤخرًا بالتفشي بين موظفي الجمعية، بحسب شهادات حصلت عليها عنب بلدي.
أحد موظفي الجمعية (رفض الكشف عن اسمه) أفاد عنب بلدي أن السرقات أصبحت السمة الرئيسية فيها بمختلف القطاعات الإغاثية والطبية، ويقول «خلال تدقيقي لبعض الملفات والقوائم الإغاثية، اتضح أن هناك أسماء وهمية لا وجود لها وضعت لتصرف حصصها المادية والعينية لصالح الموظف أو مسؤول القسم»، مضيفًا «وخلال وجودي اشتكى بعض المواطنين أنهم لم يستلموا حصصهم الإغاثية، رغم أن القوائم أظهرت استلامهم لها، ما يؤكد ضلوع أحد القائمين على التوزيع بسرقة مستحقات المحتاجين».
ويستفيد من الرعاية الاجتماعية في حماة نحو 100 ألف مواطن من أهالي المدينة والنازحين إليها وفق إحصائياتها، وتتلقى الدعم من منظمات الأمم المتحدة بشكل رئيسي، إضافة إلى رجال الأعمال والمنظمات الدولية والتبرعات الأهلية، ويرأسها رجل الأعمال مأمون ذكرى؛ كما تدير الجمعية، التي تتألف من عدة أبنية وأقسام، مراكز إيواء النازحين المنتشرة في عدة مدارس داخل أحياء المدينة.
لكن الموظف يتابع مشككًا «يتبع بعض الموظفين النافذين في الجمعية أسلوب تضخيم أعداد العوائل في مراكز الإيواء، كذلك توزيع المعونات المادية وسلل الإغاثة على أقارب الموظفين رغم أن معظمهم من غير المحتاجين، وتحرم منها عشرات العوائل المحتاجة».
وكانت الجمعية بدأت عملها الإغاثي الواسع بعد إقصاء المكاتب الإغاثية التابعة للتنسيقيات الثورية في مدينة حماة، التي قدمت خدماتها لمعظم فقراء الأحياء وأوصلت المساعدات إلى منازلهم، بحسب الناشط الإغاثي براء الحموي، والذي أكد أن «اتفاقًا ضمنيًا للمنظمات الدولية، أدى إلى إقصاء عمل التنسيقيات الإغاثية (كتلة أحرار حماة، اتحاد ثوار حماة) مع نهاية عام 2012، على الرغم من مصداقيتها وأسلوبها العلمي والعملي، وتفانيها في خدمة المحتاجين في معظم أحياء المدينة».
وأضاف براء «هناك امرأة من حي طريق حلب اشتكت على موظف من الرعاية الاجتماعية، بسبب تلقيه (رشوة) بقيمة 5 آلاف ليرة سورية، مقابل معونة شهرية تصرف لها بشكل دوري»، وأردف قائلًا «لولا الرشوة لما أعطيت هذه المرأة حقها ونصيبها من المساعدات»، مؤكدًا أن «عمل الجمعية يشوبه اليوم الفساد المالي، رغم وجود الطيبين والخيرين فيها، لذلك يتوجب ملاحقتهم واستئصال هذا الورم لتعود الرعاية الاجتماعية إلى مكانها الصحيح».
وتأسست الرعاية الاجتماعية عام 1949، وقدمت العديد من المشاريع الخيرية والخدمية، أبرزها كان خلال العامين الماضيين، من خلال مساعدة العاطلين عن العمل في إيجاد دخل شهري يقيهم الحاجة والطلب من الناس، ومن هذه المشاريع «باب كريم» الذي يؤمن عربات جوالة في الطريق يباع فيها بضائع وأطعمة.
وبناء على ذلك يعتبر أبو عباس أحد المحتاجين في المدينة، أن «الرعاية الاجتماعية نعمة من الله تعالى وفيها أناس طيبون يخافون الله وهناك بعض السيئين، إلا أنها تبقى أفضل الموجود ووجب علينا دعمها حتى تستمر في دعم الفقراء والمساكين».
ساعد وجود الجمعيات والمنظمات الإغاثية في رأب الصدع الاقتصادي الكبير الذي تشهده البلاد، وتطور عملها خلال الأعوام الماضية بما يتناسب مع حجم المأساة الإنسانية في سوريا، إلا أن الفساد يبقى ملفًا يستوجب علاجه في بعضها، لتستمر في تقديم الخدمات وتلبية احتياجات المتضررين من الحرب الدائرة في سوريا منذ 4 أعوام.