مشاهد إنسانية … ناظم حكمت
من وجهة نظر أفراد هامشيين لا يعبأ بهم ولا لهم أحد، كتب الشاعر التركي «ناظم حكمت» (1902-1963) حكاية العالم أثناء الحرب العالمية الأولى في كتابه الخالد «مشاهد إنسانية»، فشخصيات خليل وعائشة كانت أرسخ في ذاكرة الشاعر من حكايات المقاتلين والمنتصرين، من وينستون وهتلر، ورسائل العشاق السرية وتفاصيلهم الصغيرة بقيت منتصبة خالدة في دم الشاعر أكثر من مجرمي الحرب.
بلغة متحررة من الوزن، رقيقة أحيانًا وصارخة عنيفة أحيانًا أخرى، نقل الشاعر المشاهد، عبر أبسط التفاصيل وأصغرها، وكأي شعر صادق وحقيقي، شعر لا يرائي ولا يزيف الواقع، شعر ثائر إنساني متمرد، كانت تلك القصائد.
ولأنها من الإنسان وللإنسان، من الشعب وللشعب، عشقها الناس ورددوها، ولم تقوَ عليها الحكومة التركية التي منعتها من النشر حينًا من الزمن، فالشباب التركي الذي نقل رسائل النور لسعيد النورسي بخط اليد من قبل، فعل ذلك مع شعر ناظم حكمت، ضمن دفاتر صغيرة كانت تنقل خفية تحت المعاطف وتوزع وتنشر.
وإذا كانت جوائز نوبل والبوكر ومديح كبار عالم الأدب يعتبر تكريمًا للشاعر، فتكريمه الحقيقي لا يكون إلا من شعبه، من قرائه وناسه، إعجاب بسطاء الناس وعوامهم بشاعر ما، هي التاج الحقيقي الوحيد الذي يحق للشاعر أن يرفع رأسه به وينحني ليلبسه، وناظم حكمت يستحق هذا التاج.
«ناظم حكمت» كان شاعرًا منذ أن كان في الرابعة عشرة، جرب مذاق المنافي والسجون، وتجرع مر الفراق حتى حفظه عن ظهر قلب، حاولوا كثيرًا وطويلًا أن يسحقوه ولكنه كان عصيًا عليهم، غامر في الحياة وعاشها بطولها وعرضها، بطولة وكفاحًا من أجل الإنسان، ولأنه يفهم الناس فهموا شعره، ولأنه يحبهم أحبوه، ولأنه صادق خلد التاريخ أدبه رغم تآمر الحكومات والفاسدين ضده.
«المشاهد الإنسانية» واحدة من روائع الشاعر التي تبدأ من الإنسان وتعود إليه وتنتهي عنده، ترافقك على طول القصائد أبيات محمود درويش التي تصف حقًا الشعر الحقيقي الذي يتمثله شعر حكمت :
« قصائدنا، بلا لون .. بلا طعم .. بلا صوت!
إذا لم تحمل المصباح من بين إلى بيت!
وإن لم يفهم البسطا معانيها
فأولى أن نذرّيها، ونخلد نحن.. للصمت!»
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :