“الحب -أعزكَ الله- أوله هزل وآخره جد، دقت معانيه لجلالتها على أن توصّف، فلا تدرك حقيقتها إلا بالمعاناة، ليس بمنكر في الديانة ولا بمحظور في الشريعة، إذ القلوب بيد الله عز وجل”.
هذا ما استفتح به العالم والفيلسوف، أحمد بن علي بن سعيد بن حزم الأندلسي، كتابه الشهر “طوق الحمامة” في حديثه الفلسفي ووصفه للمشاعر وحالات الحب التي تصيب الإنسان.
ابن حزم الأندلسي واحد من أهم العلماء في أصول الفقه والفلسفة وعلوم اللغة في العصور الوسطى في الأندلس (إسبانيا)، كان شاعرًا وأديبًا وناقدًا وفيلسوفًا، وشغل منصب الوزير لدى الخليفة الأندلسي، المظفر بن المنصور، ومن أهم مؤلفاته “الرسالة الباهرة” و”الأخلاق والسير”.
ورغم انقضاء قرابة العشرة قرون على كتابة “طوق الحمامة”، تجاوزت قيمته الأدبية والعلمية الزمان والمكان فترجم إلى لغات عديدة، واعتبر مرجعًا علميًا في كثير من الجامعات الأوروبية والعالمية.
تستمد هذه المخطوطة قيمتها من وصفها لقصص وتجارب المحبين بأسلوب تحليلي علمي نفسي، اعتمد من خلالها ابن حزم على الملاحظة والتجربة.
ينقسم الكتاب إلى 30 بابًا مرفقًا بأخبار الحب وأشعار تناسبها، يبدأ بباب “علامات الحب”، تلك العلامات التي يدمن عليها المحب، ومنها “إدمان النظر، والإنصات لحديث المحبوب وحب الوحدة، واضطراب المحب عند رؤية محبوبه أو السماع باسمه”.
ويختتم ابن حزم ببابي “قبح المعصية” و”فضل التعفف”، في حديثه عن غلبة العاطفة على العقل وصراع الشهوات الذي يصيب الإنسان فإن “غلبت النفسُ العقلَ عُميت البصيرة”.
يعالج الكتاب حالات الحب ويصنفها ابتداءً من “الود” إلى مرحلة “الجنون” التي تصيب العاشق، ويقدم ابن حزم نصائح للعاشقين والمحبين عبر مجموعة من الأشعار والقصص.
يروي المستشرقون في جامعة ليدن أن مخطوطة “طوق الحمامة” وصلت في عام 1665 إلى مكتبة الجامعة، وأنها قد تكون نسخة من أصلٍ نُسِخَ سنة 1138 في سوريا.
وفي مطلع القرن التاسع عشر، أصدر المستشرق الهولندي رينهارت، أول طبعة لفهرس المخطوطات العربية في جامعة ليدن، تعَرّف العالم من خلالها على مخطوطة “طوق الحمامة”.
تناول ابن حزم الألفة بين المحبين في وصف أكبر وأشمل وأعمق من الحب، وعالج العاطفة من منظور إنساني تحليلي، مستعينًا بكتاب “مأدبة الحب الأفلاطونية” و”مجالس يحيى البرمكي” وكتاب “الزهرة” لابن داود الأصبهاني.
وجاءت تسمية الكتاب بـ “طوق الحمامة” كنايةً عن الجمال الذي يعتبر مسارًا للحب، مستلهمًا من قصة منح النبي نوح الطوق للحمامة التي أرشدته بعد الطوفان، بالإضافة إلى أن الحمامة رمز للحب عند فينوس آلهة الحب في الأساطير اليونانية.