صواريخ الكرملين تصمت في سوريا

  • 2018/12/30
  • 3:08 م

بسام مقداد – المدن

تختلف الغارة الإسرائيلية الأخيرة على سوريا عن سابقاتها، سواء من حيث الطريقة الإسرائيلية في الإعلان عنها، أو من حيث الدلالات السياسية، التي تحملها، بعد الإعلان الأميركي عن الإنسحاب من سوريا. فقد كانت إسرائيل، في العادة، تترك أمر الإعلان عن غاراتها للمصادر الخارجية وأجهزة الإعلام الأجنبية، من دون أن يصدر أي تعليق أو نفي عن أي من مسؤوليها. ويعلق أحد الكتاب السياسيين الإسرائيليين ساخراً، في مقابلة مع إذاعة “الحرة” الناطقة بالروسية، على هذه الطريقة في الإعلان عن الغارات الإسرائيلية بقوله، أن ممثلي روسيا والرئيس السوري يؤكدون دوماً، أنه ليس من مرتزقة إيرانيين ولا قوات إيرانية ولا مستودعات أسلحة إيرانية على الأراضي السورية، وبالتالي ليس من غارات جوية إسرائيلية على هذه الوحدات والمخازن الإيرانية “غير الموجودة”. ويقول بأن هذا النفي المتبادل للوقائع على الأرض قد اعتمد مع وصول وزير الدفاع السابق أفيغدور ليبرمان إلى وزارة الدفاع الإسرائيلية منذ سنتين، وبالتالي ليس من المفهوم من هي القوات الموجودة، ومن هو الطيران الحربي الذي يهاجمها، والذي قام بأكثر من 200 غارة على الأراضي السورية خلال السنتين المنصرمتين.

لم تترك إسرائيل هذه المرة أمر الإعلان عن الغارة الأخيرة للمصادر الإعلامية الأجنبية فقط، إذ نقل موقع “vesty” الإسرائيلي الناطق بالروسية الخميس في 27 من الجاري، عن مصدر في المخابرات الإسرائيلية تأكيده لوكالة AP، أن الجيش الإسرائيلي قام، قبل يومين، بتوجيه ضربات لأهداف إيرانية في سوريا. وتحت عنوان “روسيا لم تنفذ الوعود التي قُطعت لإسرائيل”، ينقل الموقع عن المصدر المخابراتي، الذي لم يذكر اسمه، قوله بأن النشاط الإيراني في سوريا يجري على مسافة أقل من 80 كيلومتراً عن الحدود الإسرائيلية، وهو ما يتناقض مع وعود موسكو بإبعاد إيران لهذه المسافة على الأقل، حسب قوله.

لكن الغارة الأخيرة هذه اختلفت عن سابقاتها، ليس بطريقة الإعلان عنها واتساع نطاقها فحسب، بل اختلفت أيضا بمدلولاتها السياسية الأوسع بعد قرار الإنسحاب الأميركي. فقد نقل موقع “Detaly” الإسرائيلي الناطق بالروسية عن معلق صحيفة “هآرتس” عاموس هارئيل قوله، بأن للغارة الأخيرة “سياقاً سياسياً” أوسع مما كان للغارات السابقة. وهو يرى أن إسرائيل تقول، من خلال الغارة، ” أن الأمور تسير بشكل طبيعي، وأن كل شيئ عاد إلى مجراه”. ويقول بأنه، على الرغم من الأزمة مع روسيا بسبب سقوط الطائرة الروسية في أيلول/سبتمبر الماضي، وعلى الرغم من انسحاب الأميركيين، “لن تحد إسرائيل من حرية حركتها في سوريا. فإذا كان ينبغي مهاجمة هذا الهدف أوذاك، فإن إسرائيل لن تتأخر في القيام بذلك”.

ويؤكد هذا المعلق ما ذهب إليه “المصدر المخابراتي” السابق، من ان روسيا لم تف بوعدها إبعاد إيران مسافة 80 كلم عن الحدود مع إسرائيل، بل يتهمها بأنها استبعدت دمشق وضواحيها عن وعدها هذا. ويقول بأن هذا الأمر قد اكتشف لاحقاً، وبقي فيلق الحرس الثوري ينشط هناك بكامل حريته، بل وظهرت إشارات إلى أن إيران وحزب الله ينشطان عند الحدود مع إسرائيل في هضبة الجولان، على قوله.

الكلام عينه، تقرياً، يكرره نائب رئيس قسم أوراسيا في الخارجية الإسرائيلية أليكس بن تسفي في حديث لصحيفة “NG” الروسية، التي تصف نفسها بالمستقلة. يقول هذا الدبلوماسي الإسرائيلي، أن إسرائيل على استعداد للرد بجدية على التعزيز المحتمل للقوات الإيرانية في سوريا إثر انسحاب الوحدة الأميركية. ويقول بأن خطط القيادة الأميركية لا تؤثر، بأي شكل، على استعداد الدولة اليهودية للرد على الخطر المحتمل، ” هل يخرج العسكريون الأميركيون من سوريا أم لا يخرجون، فإذا ما برز اي تهديد من جانب القوات الإيرانية من الأراضي السورية، فإن ردنا سيكون ثابتاً، وليس في صالحهم”.

من جهة أخرى، تنقل الصحيفة المذكورة عن خبير المجلس الروسي للشؤون الخارجية أنطوان مادراسوف قوله، بأن الضربات الإسرائيلية للقوى الموالية لإيران في سوريا هي، “بشكل عام، لصالح الجانب الروسي”، الذي يملك تاريخاً معقداً من العلاقات مع الجمهورية الإسلامية في سياق الحرب السورية. فالتعاون مع إسرائيل يتيح لروسيا، من جهة، الإحتفاظ بمسافة عن إيران الشيعية، ومن جهة أخرى يلجم الطموحات الإيرانية. إيران، على قوله “لم تتخل، ولن تتخل” عن سوريا، وهي سوف تستمر بالعمل هناك عبر مختلف المجموعات المحلية والشخصيات من النخب السورية السياسية والعسكرية، وكذلك عبر مختلفف المشاريع الإقتصادية. ويشير هذا الخبير إلى عجز روسيا عن التأثير على إيران، التي تنظر إلى انسحاب القوات الأجنبية من سوريا بوصفه “أداة للمساومة”، وهي عادة ما ترفض الإنسحاب من هذه المناطق أو تلك “على الرغم من طلب موسكو”.

لكن للقوميين الروس المتشددين رأياً آخر بالغارة الإسرائيلية الأخيرة على دمشق، لا يمت بصلة لرأي الخبير المذكور هذا، ولا للإعلام الرسمي، الذي تلطى وراء الهمروجات الإعلامية للنظام السوري. تقول صحيفة “SP” (الصحافة الحرة) الناطقة باسم هؤلاء، أن الصواريخ، التي أطلقها السوريون انفجرت فوق هضبة الجولان، “دون أن تلحق أي اذى” بالإسرائيليين. وتتساءل ما العمل للرد بفعالية على هذه الغارة، وتجيب هي نفسها على تساؤلها بأن الأمر ليس واضحاً “طالما أن القيادة السياسية العليا لم تحدد موقفها بعد، وليس على العسكريين في مثل هذه الحالة سوى الإنتظار”.

وقد أتى كلام الصحيفة هذا في سياق مقالة في 27 من الجاري تحت عنوان “لماذا تصمت صواريخ S-300 الروسية”، أرفقته بعنوان إضافي “تل أبيب بصقت على دفاع الكرملين وتهاجم دمشق من جديد. بماذا سترد وزارة دفاعنا”. تقول الصحيفة، إن أحداً في روسيا لم يرد على التسريبات الإسرائيلية، بأن الطلعات الإستطلاعية فوق سوريا لم تتوقف بعد حادثة الطائرة الروسية، ولم ير أحد أن هذه التسريبات كانت نوعاً من التحقق مما إن كان الكرملين مستعداً للسير في الأمر حتى النهاية. ويبدو أن الإسرائيليين قد بلوروا استنتاجاتهم، وأصبحوا أكثر حسماً، وبرزت في النهاية الأنباء الأولى عن هجمات جديدة.

وبعد أن تتحدث الصحيفة عن تغاضي المسؤولين الروس المتكرر عن جس النبض الإسرائيلي لنوايا الكرملين تقول، لكن ما حدث هذا الأسبوع يبرز بوضوح موقف تل أبيب المستهتر بالتهديدات الروسية. فقد هاجم الجيش الإسرائيلي سوريا من جديد، “وقام بذلك بصورة وقحة للغاية”، إذ قامت ست طائرات دفعة واحدة بتوجيه ضربات إلى مناطق مختلفة، نالت دمشق الحصة الأكبر منها، وخاصة المطار. وتتساءل الصحيفة لماذا تم الرد بصواريخ S-200، ولماذا بقيت صواريخ S-300 صامتة. وتقول الصحيفة، استناداً إلى مصادرها في وزارة الدفاع الروسية، أن الصواريخ الأولى كانت كفيلة بالقيام بالمهمة، وأن كلفتها أدنى من كلفة الصواريخ الأخرى. لكن الأمر الأهم، الذي تشير إليه الصحيفة، هو أن العسكريين الروس، ليس لديهم أوامر بمهاجمة الطائرات الروسية في اللحظة الراهنة.

إن موقف القوميين الروس المتشددين هذا، ليس مستغرباً في ظل بلوغ العداء الروسي اليهودي التاريخي ذروته، إثر حادثة سقوط الطائر الروسية. فالإسرائيليون لا يجدون غضاضة في وصف روسيا، بأنها بلد يحكمه “معادون للسامية”. ومن جانبهم، لا يجد الروس غضاضة في تصوير كبير حاخاميي روسيا بلباس ضابط نازي، والكتابة على جدران المقابر اليهودية ” اليهود، اخرجوا من روسيا” و”الموت لليهود”.

مقالات متعلقة

  1. تحت أنظار موسكو.. "خرداد 15" تزيد احتمالات مواجهة إيرانية- إسرائيلية في سوريا
  2. الغارات جنوب سوريا.. "الطاسة ضايعة" بين أربعة أطراف
  3. أهمية استراتيجية تفسر كثافة الغارات الإسرائيلية على دمشق
  4. النظام السوري يدين "اعتداءات تركيا" ويتجاهل الضربات الإسرائيلية

صحافة عربية

المزيد من صحافة عربية