عيد ميلاد مجيد

  • 2018/12/30
  • 10:45 ص

إبراهيم العلوش

عيد ميلاد مجيد رغم أنف الحركة التصحيحية، التي سرقت لقب الميلاد المجيد لتصف نفسها بالتصحيح المجيد، ورغم أنف بعض رجال الدين الذين استبدلوا أيقونة المسيح بصور بشار الأسد، ورغم أنف الروس الذين وضعوا بعض رجال الدين المرتشين والحاقدين في مطار حميميم ليبخروا الطائرا ت الروسية قبل أن تقلع لقصف المدن والقرى والأصقاع السورية بالصواريخ وبالكيماوي وبالأكاذيب البوتينية.

عيد ميلاد مجيد لفارس الخوري، أحد أبطال الاستقلال السوري، رغم أنف حفيدته كوليت خوري التي تعمل مستشارة في قصر البراميلي، والتي صارت مع رئيسها (المُفدّى) رمزًا للاحتلال الإيراني والروسي.

عيد ميلاد مجيد  لسيدة صيدنايا رغم الآلام، والأوجاع التي تنبعث من سجن صيدنايا القريب من كنيستها التاريخية المهيبة، ورغم أنف جلادي هذا السجن الذين يحلمون بتحويل سوريا كلها إلى زنزانة كبيرة ومظلمة.

عيد ميلاد مجيد لرجال الدين المسيحي الذين كانوا أبطالًا للاستقلال، وللتسامح، وكانوا فطاحل اللغة العربية وأحيوا التراث العربي بمؤلفاتهم وبموسوعاتهم التي لا تزال تملأ مكتبات بيوتنا، رغم أنف المتطرفين، والإرهابيين، كتب نعتمد عليها وستعتمد الأجيال القادمة عليها، من أجل صد الاحتلالات الغاشمة من روسية ومن إيرانية وما تيسر مما يروج له الشبيحة وقادتهم.

عيد ميلاد مجيد للشهداء، وللشهيد باسل شحادة، ولـ”أبو إلياس الحمصي” الذي لا يزال جالسًا على شرفته المدمرة، وللأب باولو الذي فدى الثورة السورية بروحه. عيد ميلاد مجيد رغم أنف شادي حلوة ونفاقه المخجل. عيد ميلاد مجيد لأساتذتنا الذين درسونا في قرى الجزيرة القاحلة قادمين من وادي النصارى وهم لا يتذمرون، ولا يغشون، ولا يتأخرون عن واجباتهم اليومية.

عيد ميلاد مجيد لكنائس داريا التي كانت تقرع أجراسها عندما تعبر مواكب شهداء الثورة بقربها. عيد ميلاد مجيد للقرى وللبلدات السورية التي لا تزال تتكلم بلغة المسيح، ولكنيسة أم الزنار الحمصية التي تعد أقدم كنيسة موجودة منذ العام 57 ميلادي، ولكل الكنائس التي لا تزال تقرع أجراسها بفرح وبحبور يليق بالعابدين المحبين، والأوفياء، وليس بمقاولي الرتب الدينية الذين ينافقون للأقوياء، وللذين يدفعون أكثر.

عيد ميلاد مجيد لباب توما، ولباب شرقي، رغم أنف الميليشيات الإيرانية التي تحاول احتلال المحبة ونشر الحقد الطائفي في أرجاء بلادنا.. في سوريا التي لم تكن لهم، ولن تكون أبدًا لهم، مهما ساورتهم الأوهام والأكاذيب، ومهما صرفوا من المليارات كرشاوى وأعطيات للخونة.

عيد ميلاد مجيد للمسيح المضرج بدمه والمكلل بالشوك، فمن صلبوه لم ينتصروا عليه، ومن دقوا المسامير في يديه وفي قدميه لم يتمكنوا من قتله، وها هو الشعب السوري مثله يرفض الموت ويرفض الاستسلام، ويرفض الاحتلال، ويرفض أن تكون بلاده بحيرة لهذا السواد.

عيد ميلاد مجيد لكل من دعم الشعب السوري ولكل من قدّم ولو حبة دواء له، أو هرّب ربطة خبز من حواجز النظام وحواجز حزب الله، ولكل من قدّم ولو خيمة ليقي عائلة نازحة، أو مهاجرة في هذا العراء الذي يمتد أمامها كالموت.

عيد ميلاد مجيد للبابا فرنسيس بابا الفاتيكان الذي يُخجل رهبان بشار الأسد وميشيل عون،  فرسائله لا تتبنى أبدًا الوقوف إلى جانب القتلة والمستبدين. فسوريا بلد القديس بطرس، وبلد ستة بابوات ترأسوا الكنيسة الكاثوليكية.

عيد ميلاد مجيد لرسول المحبة، ولأتباع المحبة، رغم أنف أتباع الحقد والتطرف، والإرهاب، والعقائد المحشوة بزرنيخ الكراهية، مثل داعش والنصرة، والجيش التركستاني، وغيرهم من جيوش الظلام التي تتشبه بجيش الأسد وبميليشيا حزب الله.

قبل أكثر من ألف عام صاح المسيح وهو على الصليب: يا إلهي لماذا تركتني وحيدًا.. يا إلهي!

ولكن الله لم يترك المسيح وحيدًا، وجعل دينه ينتشر عبر العالم، وخلال ألفي سنة لا يزال المسيح رسول المحبة والتسامح.

وحتمًا لن يترك الله الشعب السوري لقمة سائغة بأيدي الخونة من الشبيحة، ومن حملة مبخرة الاحتلال الروسي، ومن ميليشيات الحقد الطائفي.

السوريون اليوم يعيدون صياغة المنطقة، ويعيدون أهلها إلى صواب الحرية، والكرامة، وهم لن يظلوا وحيدين ولن يكونوا دائمًا محاصرين، فالمستقبل مع الحب ومع الحرية ومع الكرامة مهما تبجح المتبجحون.

يا إلهي لا تتركنا وحيدين أمام كل هذا الحقد، لا تتركنا وحيدين أمام كل هؤلاء الخونة والمأجورين، لا تتركنا وحيدين أمام صحراء الاستبداد القاتلة.

فلنقل أيضًا عيد ميلاد مجيد لهذه المنطقة العطشى للحرية وللكرامة منذ أكثر من ألف عام، منذ أكثر من ألف طاغية، وعبر أكثر من ألف ألف سجن.

عيد ميلاد مجيد لنا نحن الحزانى، والمشردين في أرجاء هذه الأرض التي ترمينا بعيدًا عنها كل يوم، عيد ميلاد مجيد لكل إخوتنا المسيحيين الذين ينبذون الحقد، ويزينون بلادنا بمحبتهم وبصدقهم… عيد ميلاد مجيد للأمل رغم أنه لا يزال بعيدًا.. بعيدًا جدًا.. فرأس السنة الجديدة يقف أمامنا مثل حاجز للمخابرات الذين يفتشون الرؤوس وينهبون الجيوب.

ورغم أنف كل هذا الدمار وكل هذا التشرد: كل عام وأنتم جميعًا بخير!

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي