إعادة تأهيل نظام الأسد.. بين الخبر والحقيقة
منصور العمري
لا تُعبّر عناوين الأخبار عن حقيقة الأحداث دومًا، بل حتى إن بعضها بعيد عن الحقيقة في كثير من الأحيان كالتصريحات السياسية المعلنة.
قال الرئيس الأمريكي ترامب، لنظيره التركي أردوغان في مكالمة هاتفية: “أتعلم؟ إنها لك”، ونقلت وسائل الإعلام تفاجؤ أردوغان بهذا القرار على الهاتف. بدا الأمر وكأنه قرار وليد لحظته، لكن أيًا ممن يعملون في السياسة أو لديهم أدنى معرفة بالسياسة الأمريكية تحديدًا، يعلمون يقينًا أن قرارات من هذا النوع لا تأتي نتيجة نقاش هاتفي بل بعد دراسة المخاطر والجدوى والأبعاد السياسية والعسكرية وغيرها. يبدو أن ترامب أراد أن يوحي لأردوغان أنه اقتنع بكلامه، بما يحمّل أردوغان التزامًا تجاه ترامب ومسؤولية تركية جزئية عن الانسحاب الأمريكي.
ثم توالت أخبار إعلان دول عربية استعادة علاقاتها مع نظام الأسد.
16 من كانون الأول/ ديسمبر، زيارة مفاجئة لعمر البشير إلى دمشق، رئيس السودان المسؤول عن الإبادة الجماعية وجرائم أخرى بحق شعبه. أطلق البشير خلال زيارته تصريحات متطابقة مع تصريحات دول عربية أتت لاحقًا.
19 من كانون الأول/ ديسمبر، ترامب يعلن انسحاب القوات الأمريكية من سوريا.
22 من كانون الأول/ ديسمبر، زيارة علي مملوك، أكبر مسؤولي المخابرات السورية والمطلوب للقضاء الألماني والفرنسي لجرائم ضد الإنسانية، بدعوة من مصر. أي أن التحرك المصري سبق الزيارة التي تناولت “مختلف القضايا ذات الاهتمام المشترك بما في ذلك القضايا السياسية والأمنية وجهود مكافحة الإرهاب”.
23 من كانون الأول/ ديسمبر، تصريح ملك الأردن لمجموعة من الصحفيين، أن “علاقاتنا ستعود مع سوريا كما كانت من قبل”. قبل ذلك كانت الأردن قد افتتحت معبرًا رسميًا مع دمشق واستأنفت علاقاتها جزئيًا مع النظام السوري.
27 من كانون الأول/ ديسمبر، إعلان إعادة افتتاح سفارة الإمارات بدمشق، وأتى هذا الإعلان بتفصيل أكثر في صحيفة البيان الإماراتية: “باشر القائم بالأعمال بالنيابة مهام عمله من مقر السفارة في الجمهورية العربية السورية الشقيقة اعتبارًا من أمس (الخميس)”. لكن أخبار تحضيرات هذا الافتتاح بدأت في تموز/ يونيو الماضي حين زار نائب رئيس المجلس الأعلى للأمن الوطني في الإمارات دمشق وأعرب عن رغبته في إعادة التمثيل الدبلوماسي مع دمشق. أعلنت تونس عن استئناف العمل القنصلي في سوريا منذ عام 2015.
27 من كانون الأول/ ديسمبر، تونس تستقبل أول رحلة جوية من سوريا، وسط دعوات لإعادة افتتاح سفارتها في دمشق. ستستضيف تونس القمة العربية الثلاثون في آذار/ مارس 2019. قد يشهد الاجتماع المقبل لـ “جامعة الدول العربية” ممثلًا عن نظام الأسد أو حضور بشار الأسد نفسه للقمة في تونس.
تصريح خارجية البحرين بـ “استمرار العمل في سفارة مملكة البحرين لدى الجمهورية العربية السورية الشقيقة”. أفاد التصريح ذاته “بأن سفارة الجمهورية العربية السورية لدى مملكة البحرين تقوم بعملها، والرحلات الجوية بين البلدين قائمة دون انقطاع”.
تشابهت كثيرًا تصريحات الدول العربية التي أعادت تطبيع علاقاتها مع النظام السوري بما يثير التساؤل عن التنسيق والاتفاقات المسبقة بين هذه الدول حول نية إعادة العلاقات مع بشار الأسد، وتوقيت إعلان هذه الخطوات مع إعلان ترامب انسحابه من سوريا.
السودان: الأمل بأن تستعيد سوريا عافيتها ودورها في المنطقة في أسرع وقت ممكن وأن يتمكن شعبها من تقرير مستقبل بلده بنفسه بعيدًا عن أي تدخلات خارجية.
الإمارات: الحرص على إعادة العلاقات بين البلدين الشقيقين إلى مسارها الطبيعي، بما يعزز ويفعل الدور العربي في دعم استقلال وسيادة الجمهورية العربية السورية ووحدة أراضيها وسلامتها الإقليمية، ودرء مخاطر التدخلات الإقليمية في الشأن العربي السوري.
البحرين: أهمية تعزيز الدور العربي وتفعيله من أجل الحفاظ على استقلال سوريا وسيادتها ووحدة أراضيها ومنع مخاطر التدخلات الإقليمية في شؤونها الداخلية.
القاسم المشترك بين الإعلانات الرسمية المتتالية والمتزامنة أنها أتت بعد إعلان ترامب انسحابه من سوريا، وأنها معدة مسبقًا كما أعِدّ القرار الأمريكي مسبقًا. يبدو أن هذه التصريحات تندرج في إطار حملة إعلامية لدعم نظام الأسد دبلوماسيًا، بإدارة ودعاية روسية واضحة في وسائلها الإعلامية، وتراجع أمريكي.
لم ينته الأمر بعد، فهناك عدة مراحل لإعادة العلاقات الدبلوماسية، بدءًا من العمل القنصلي، فافتتاح السفارات بتمثيل منخفض، ثم عودة السفراء. فتونس مثلًا أعلنت عن استئناف العمل القنصلي في سوريا عام 2015، لكن حتى هذه اللحظة لم يُعلن عن عودة أي سفير عربي أو استئناف عضوية سوريا في الجامعة العربية، وهو ما يتوج تطبيع العلاقات مع نظام مدان بأبشع جرائم القرن العشرين.
قد لا يمكن إيقاف هذه الموجة التطبيعية، ولكن يمكن مطالبة هذه الدول بتخصيص جزء من جهودها واستثماراتها القادمة في سوريا لإنهاء أو التخفيف من معاناة السوريين وضحايا الأسد خاصة، الذين وصفتهم بيانات هذه الدول بالشعب السوري وقدمتهم ذريعة لإعادة علاقاتها مع نظام قاتل.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :