محمد رشدي شربجي
هناك حقيقة ثابتة لا يمكن الجدال فيها بغض النظر عن كيف ستنتهي مآلات الأمور في شمالي سوريا، وهي أن تركيا قضت على المشروع الكردي في سوريا، وبقي على الأكراد أن يسلموا مناطقهم لروسيا أو لتركيا، اللتين ستتفقان فيما بينهما على توازع المناطق، كما حصل في إدلب وعفرين ودرع الفرات ومناطق أخرى. ولا أعتقد أن أحدًا يأخذ محاولات فرنسا لملء فراغ الولايات المتحدة على محمل الجد.
وسواء ذهبت هذه المناطق -معدومة البنى التحتية وكثير منها معدوم السكان حتى، والتي تحولت فجأة إلى أكثر المدن استراتيجية في العالم- إلى تركيا أو روسيا فإن المصلحة التركية محققة في الحالتين.
والحقيقة أن المشروع الكردي لم يكن يومًا قابلًا للحياة، ولكن الداعم الأمريكي، الذي قال في أكثر من مناسبة إن دعمه لا يتعدى المعركة ضد تنظيم الدولة بأي شكل من الأشكال، أعمى حزب العمال -كما أعمى البرزاني سابقًا- عن لعنة الجغرافيا، فالمناطق الكردية لا بحر لها وتسهل محاصرتها ويضيق الخناق عليها من دول ذات نظم مركزية صارمة محيطة بها، نادرًا ما اتفقت على شيء بمثل ما اتفقت على معاداة التطلعات الكردية.
وتخبرنا الحقيقة التاريخية أن الكرد حصّلوا جزءًا من حقوقهم القومية واستقلالهم الذاتي بحالتين، إما في حالة انهيار الدول المركزية كما حصل في سوريا والعراق، وهناك تناسبت استعادة المركز لقوته طردًا مع انتزاعه لهذه الحقوق كما رأينا ونرى في كلا البلدين.
والحالة الثانية هي الديمقراطية، وهو ما رأيناه في الحالة التركية التي أسهم ترسيخ الديمقراطية فيها حتى عام 2014 بتوسيع مجال الحريات للشعب الكردي هناك، ولكن المسار تم الانقلاب عليه من قبل حزب العمال الكردستاني بداية ومن ثم القيادة التركية نفسها فيما بعد، لتنتهي الأمور بكارثة مرة أخرى للأسف.
ستبقى القضية الكردية من الأسئلة المفتوحة في سياسات دول الإقليم كما سؤال الديمقراطية، وحدها الديمقراطية قادرة على جلب السلام لأقوام الإقليم الأربعة الرئيسية (العرب، والكرد، والترك، والفرس) وطريق الديمقراطية طويل في بلادنا وشاق ومحرم دوليًا.
لكن من قال إن غيره أقصر وأقل خطرًا، منذ متى يكافح الكرد؟ سبعون عامًا؟ قرن من الزمن؟ وها نحن نعود سيرتنا الأولى. غدًا يجمعنا سجن صيدنايا حيث لدينا الوقت الكافي لمناقشة خلافاتنا جيدًا.