إعلام النظام والهوية الضائعة
عنب بلدي – حلا إبراهيم
“كانت صدمتي كبيرة عندما سمعت إحدى المذيعات على الفضائية السورية وهي تنطق أسماء شعراء عرفناهم منذ الصغر بشكل خاطئ، لم أتوقع أن يكون مستوى المذيعات قد تدنى إلى هذا الحد، لكن ما لا أستطيع أن أفهمه هو كيف تم اختيار هؤلاء المذيعين والمذيعات، وعلى أي أساس”.
هكذا يعبر سامر، وهو طالب جامعي يعيش في دمشق، في وصف انطباعه حول الدورة البرامجية الجديدة و”اللوغو” (الشعار) الجديد للقنوات الفضائية الرسمية.
يضيف الشاب المتابع للتلفزيون الرسمي، “المشكلة لم تكن في (اللوغو) بل هي أكبر من ذلك بكثير، هناك تخبط في البرامج فمعظمها مقلد من قنوات فضائية أخرى، بالإضافة إلى محاولات فاشلة للظهور بطريقة غير تقليدية”.
حاولت الهيئة العامة السورية للإذاعة والتلفزيون أن تضخ ما أسمته “روح الشباب” إلى برامج القنوات التابعة لها، خصوصًا بعد إطلاق الدورة البرامجية الجديدة في آب الماضي، المصحوبة بتغيير “اللوغو” لجميع قنوات الهيئة.
ووعدت وزارة الإعلام أن التغييرات ستشمل الديكورات والاستديوهات، بالإضافة إلى مضمون مختلف يركز أكثر على الجانب الخدمي، والتفاعلي مع المواطن، بالإضافة إلى “لوغو” (شعار) جديد على شكل الوردة الدمشقية.
لكن تلك الدورة البرامجية لم تتضمن برامج جديدة كما كانت الوعود، بل ازدادت تلك القنوات في ضخ روايات النظام لكل ما يحدث على الأرض، بالإضافة إلى برامج من النوع الترفيهي وتلك التي كشفت ما يعاني منه إعلام النظام من تشتت.
فبحسب ما نقلته الصفحة الإخبارية المحلية “الإصلاحية”، عن مصادر في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، فبرنامج “صباح الخير” الذي يبث عبر القناة الفضائية الرسمية، تم تسليمه بطريقة التعهد لمقدم برنامج “كلام كبير” الذي تم إيقافه، عماد جندلي، والذي فرض شروطه على القناة من حيث إحضار مذيعات من خارج الملاك، بالإضافة إلى إعداد الفقرات، وهذا كان السبب وراء ما حصل في لبرنامج وأثار الجدل بين السوريين، إذ لم يعتد المشاهد السوري أن يرى مذيعات ينهضن ويرقصن في برنامج صباحي.
فيما يرى الصحفي السوري خالد خليل، وهو مدير تحرير سابق في قسم الأخبار في التلفزيون الرسمي، أن كثرة التغيير بالهوية البصرية هو نوع من قصور في تقديم محتوى جيد.
ويقول خليل لعنب لبدي، إن “الهوية البصرية الجديدة هي نوع من التلميع للفشل الذريع الذي وصل إليه التلفزيون الرسمي، خصوصًا أنه لم يأخذ دوره المناط به كإصلاحي، بالعكس كان أحد أدوات النظام الضاربة لتدمير سوريا، بالإضافة إلى صرف الانتباه عن المحتوى الرديء، إذ أصبح المحتوى تصادميًا بشكل كبير”.
يحاول القائمون على الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون أن يغطوا “رداءة” المحتوى بهوية بصرية جديدة، على حد قول خليل، ويضيف، “كل سنتين يغيرون (لوغو) وهذا (اللوغو) لا ينتمي إلى سوريا ببعدها الحضاري أو الروح السورية، سواء بالألوان أو بالأشكال التي يظهر فيها، وكل لوغو يختلف عن الآخر اختلافًا جذريًا، وهذا يدل على عدم التوافق بين الإدارات المتعاقبة على الهيئة”.
تعديلات جذرية في الهيئة.. إدارة مركزية
أصدر وزير إعلام النظام السوري، عماد سارة، مطلع كانون الأول الحالي، قرارًا بتبعية المديريات والأقسام في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون مباشرة للمدير.
ونشرت وزارة الإعلام نص القرارين 1283 و1284، وألغي بموجبهما إحداث إدارتي “شؤون التلفزيون” و”شؤون الإذاعة”، وبالتالي تتبع جميع المديريات والأقسام والدوائر في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون للمدير مباشرة.
كما أعفى سارة المدير السابق للهيئة نايف عبيدات، وكلف معاون وزير الإعلام، ومدير المالية السابق في الهيئة، سومر وسوف الحاصل على إجازة في الحقوق، بتسيير أمور الهيئة.
وكان سارة أجرى مجموعة من التغييرات في إدارة الهيئة منذ تسلمه وزارة الإعلام مطلع كانون الثاني الماضي، خلفًا للوزير رامز ترجمان، بموجب مرسوم صادر عن رئيس النظام السوري بشار الأسد.
وأعفى فور تسلمه الوزارة مطلع العام الحالي، مديرة إذاعة “صوت الشباب”، سلوى الصاري، من منصبها الذي كلفت به منذ 2011، وعيّن بدلًا عنها عائشة الخراط.
كما عين أحمد يوسف مديرًا لأخبار “إذاعة دمشق”، بدلًا من هشام عمران الذي عينه معاونًا لمدير إدارة الإذاعة، نايف عبيدات.
وتضمنت القرارات التي أصدرها في كانون الثاني الماضي أيضًا، تعيين عاصم حسن مدير تشغيل “إذاعة دمشق” بدلًا من وليد عفوف، إضافة إلى تعيين مضر مسعود مديرًا “لقناة سوريانا” بدلًا من وضاح الخاطر، الذي كلف بمهام رئاسة وحدة الرصد في الهيئة.
وعين رئيس مجلس الوزراء في حكومة النظام، عماد خميس، عبيدات مديرًا للهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون بداية شهر شباط الماضي، بعد أن بقيت الوظيفة شاغرة لمدة شهر، إذ كان يشغلها الوزير عماد سارة قبل تسلمه الوزارة.
ويأتي إعفاء عبيدات من وظيفته بعد أيام من تقديم الهيئة اعتذارًا عن عرض مادة مرئية عبر القناة الرياضية الرسمية، تتضمّن عرضًا للجمباز الإيقاعي لفريق إسرائيلي، مصرحة “لن نبحث عن أعذار الذي حصل خطأ فادح”.
الهيئة العامة من التقليد إلى التحريض
يقول الصحفي خالد خليل، “الإعلام السوري أحد أدوات النظام على الدولة والمجتمع، وكما هو معروف لم تشهد سوريا عبر تاريخها الحديث إعلام مستقل، فكان هناك صوت إعلامي واحد، هو صوت النظام، فلا يوجد وسائل إعلام معارضة أو شرائح أهلية يكون لها منابر إعلامية”.
وعن طبيعة العمل والانتقاء المحتوى في قنوات الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون يضيف خليل، “العملية الإعلامية فيها ثالوث مقدس هو الجمهور والمحتوى والمال، المال هو من النظام الجمهور النظام يسيطر عليه، أما المحتوى فكان زائفا ولا يعتمد على نقل حقائق وإنما وظيفته نقل إيديولوجية النظام، لإتمام سيطرة النظام على الدولة والمجتمع”.
ويرى خليل أن الأسماء التي تتسلم المناصب في الهيئة ووزارة الإعلام ليسوا من أصحاب التجارب الإعلامية العملية، فلا تعتبر المهنية معيارًا في انتقائهم لهذه المناصب، على حد قوله، مضيفا أنه خلال عمله في التلفزيون كانت التعيينات والترقيات تأتي من أفرع المخابرات، “إذ يرتبط المدراء كل منهم بفرع أمني يكون على تواصل دائم معه، وفي حال علم هذا المدير بوجود تعيينات مقبلة، يبادر إلى الاتصال بالفرع الذي له علاقة به لتتم تزكيته من قبل هذا الفرع لتسلم المنصب”.
وهذا المعيار لم يتغير حتى بعد انطلاق الثورة وإن كان المحتوى تغير، لكن بطريقة أسوأ، بحسب خليل، الذي يضيف، “المحتوى قبل الثورة كان تقليديًا رديفًا للسلطة وناطقا باسمها بعدها أصبح تحريضيًا، وجزء من المشكلة ولا يعكس الواقع بل فقط يفرض أيديولوجية النظام ورواياته، والكذب المتفق عليه”.
ويدور سؤال في أذهان من يشاهد القنوات الرسمية، متى سيكون لدى المواطن السوري إعلام مرئي يلبي احتياجاته ويعكس شخصيته، بهوية مميزة بعيدًا عن أفرع المخابرات.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :