تعا تفرج
الدكتور الذي رقص مع حافظ الأسد
خطيب بدلة
استمتع أعضاءُ البرلمان البريطاني ببضع دقائق من الضحك المتواصل عندما قَدَّمَ أحدُ زملائهم مداخلتَه القانونية على شكل أغنية ذات لحن جميل. وعلى الفور، تحولت هذه الفقرة إلى مادة مفضلة على صفحات السوشيال ميديا، وحققت أرقامًا عالية من المشاهدة والإعجابات والمشاركات والتعليقات.
وبالطبع فإن هذا الأمر يحدث في بريطانيا، وغيرها من الدول الأوروبية، بمصادفة بحتة، بسبب فائض الحرية التي يتمتع بها السياسيون والبرلمانيون ومختلفُ فئات الشعب في هاتيكَ البلاد. ومن جمال المصادفات أننا شاهدنا، قبل زمن قصير، مجموعة من الأطباء والطبيبات والممرضين والممرضات في قسم غسيل الكلى في أحد المستشفيات التركية يرقصون، بالتناوب مع المرضى الذين رُبِطَتْ الأجهزة والأنابيب بأيديهم وأرجلهم، رقصًة تزيد نسبةُ الحب والمرح والسعادة فيها عن رقصة زوربا في ذلك الفيلم الشهير.
ثمة أناس متشائمون شاهدوا مداخلةَ البرلماني البريطاني الغنائية، والرقصةَ التركية، فزعموا أننا، نحن السوريين، غير معتادين على مثل هذا النوع من الحرية، فهو يحدث خارج حدود الدولة التي حولها حافظ الأسد وزبانيته إلى سجن رهيب.. ولكنَّ مَنْ ينظر إلى النصف المليء من الكأس لا بد أن يعترف بأن سوريا حصلتْ، وتحصلُ فيها أشياء لا تقل بهاء وروعة عن المشهدين المذكورين، وقد قرأتُ، ذاتَ يوم، حكاية روتها طبيبة سورية، تحدثتْ فيها عن رئيس قسم جراحة القلب في الكلية التي درست فيها، أنه كان من النوع “الغَضَبة” الذي لا يضحك وجهُهُ للرغيف التنوري، وأن معظم طلابه ترتخي مُعَصَّرَاتُهم عندما يأتي إلى قاعة الدرس ليوزع عليهم علامات المذاكرة التحريرية، ويهرعون إلى الحمامات للتبول، فهو يخصم ثلاث علامات عن كل هفوة صغيرة يرتكبها الطالب في إجاباته، فما بالك بالأخطاء الجسيمة؟!
وفي يوم من الأيام، وبينما كان الطلاب والطالبات يستعدون للدخول إلى قسم الإسعاف في المشفى الجامعي، بصحبة أستاذ الجراحة العامة، وإذا بهم يسمعون صوت طبل يأتي من الساحة الرئيسية للمشفى، فراحوا يتبادلون النظرات الحائرة مستفهمين عما يجري، ثم سألوا أحد الممرضين العاملين في القسم فأخبرهم أن وزير الصحة قدم إلى المشفى برفقة بعض أعضاء القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي وأعضاء الجبهة الوطنية للاحتفال بذكرى الحركة التصحيحية التي تصادف بعد أسبوع من الآن، وما هي إلا لحظات حتى حضر إلى المكان أمين الفرقة الحزبية وهو يصيح:
– يا الله يا رفاق يا الله، عَ الساحة.. بلش الاحتفال.
وكان ذلك إيذانًا بوَقْف مختلف أنواع الدروس والتدريبات، وبَدْء الانسحاب من مختلف الأقسام والقاعات نحو الساحة كيفيًا (مثل الانسحاب من الجولان وتسليمها لإسرائيل في سنة 1967)، وهناك، في الساحة، شَاهَدَ الطلاب، بدهشة قل نظيرها، الدكتور المبجل، رئيسَ قسم جراحة القلب، ماسكًا في رأس الدبكة (على الأول)، وقد جَدَلَ منديلًا أبيض وراح يلولح به، وينط وينزل ويضرب قدمه عند قدم الطبال، وفي اللحظة التي رأى طلابَه قادمين نحو الساحة قفز إلى حيث صورة لحافظ الأسد، عانقها، وأنزلها معه وصار يرقص بها، على نحو يمكن وصفه بأنه أقرب إلى الغرام!
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :