الجنجويد السوداني يزور الشبيح السوري
إبراهيم العلوش
فاجأ الرئيس السوداني العالم بزيارته إلى سوريا، وإعادته لموشح الصمود والتصدي والمواجهة، وما إلى ذلك من خطابات ممجوجة، تم تكرارها خلال نصف قرن من عهد المخابرات، والاستعراضات العسكرية الكرتونية، ففي يوم الأحد الماضي 16 من كانون الأول، حطت طائرة شحن روسية من نوع “تو 154” وعليها العلم الروسي، في دمشق حاملة زعيم الجنجويد السوداني، ليقابل زعيم الشبيحة السوري، وهي أول زيارة لرئيس عربي إلى دمشق منذ اندلاع الثورة السورية في عام 2011.
تأتي هذه الزيارة في محاولة لإعادة تلزيق النظام العربي القائم، والمبني على بدهيات ثابتة وهي: الرئيس أو الملك القائد التاريخي، ورجل المخابرات مطلق الصلاحيات إلى حدود الوحشية، والأكاذيب المستهلكة في عظمة الأمة وهيبتها التي يبنيها القائد التاريخي وأقاربه ومقربوه!
هذه الزيارة تأتي ضمن محاولة بائسة لإعادة إحياء هذا النظام العربي، الذي مزّقه الربيع العربي، وحطّ من شأنه، وجعل قادته التاريخيين يقبّلون أحذية الدول الأخرى، من أجل أن تساعدهم على البقاء، فقائد الجنجويد السوداني ارتكبت ميليشياته جرائم ضد الإنسانية، وأدت إلى انفصال نصف السودان الجنوبي، من أجل أن يبقى الجنجويد الأول حسن البشير على كرسي السلطة، رغم أنه مطلوب للمحكمة الجنائية الدولية منذ العام 2009.
في نفس الوقت فإن الشبيح الأول هجّر نصف الشعب السوري، وقصف المدن والقرى، ودمّر البنية التحتية، وبيوت الناس، ووقّع معاهدات استعمارية مع الروس، والإيرانيين، منحهم فيها كل ما يريدون من أجل البقاء في السلطة التي ورثها عن أبيه القائد “الخالد”!
هذه القمة بين الاثنين تعبير موجز عن نتائج نصف قرن من ممارسات النظام العربي، وهي تتسم بكل وقاحة الأنظمة العربية، فهذان النظامان حققا أرقامًا قياسية في القهر، والتخريب، والتمزيق بحق بلديهما وشعبيهما. وما هو مشترك بين هذين الاثنين اليوم، هو أن الطائرات الروسية هي التي تتحكم بنقلهم، فبشار الأسد سبق وأن شحنته طائرة روسية إلى سوتشي، لأن بوتين يومها كان مضطرًا لعرضه كدُمية في مؤتمر صحفي، لإثبات هيمنته على القرار السوري أمام مواطنيه الروس، وأمام منافسيه الغربيين.
قنوات النظام وصفحات شبيحته بدأت تغيّر نظام خطابها في احتقار العرب والعروبة، وبدأت تكيل المدائح للرئيس السوداني، وتخطب ودّ الجامعة العربية، علّها تعيد نظام الأسد إلى طاولة خطاباتها، وتسترجع القمم العربية تاريخها مع خطابات بشار الأسد المحشوة بالمصطلحات، وبالسيارات القديمة، وبالسيارات الجديدة، وما إلى ذلك من عبث طفولي بدأه بشار الأسد في خطاباته في القمم العربية، واستكمله بعبث وحشي في تدمير سوريا.
ولعل القمة العربية المقبلة في آذار 2019 في تونس، ستسترجع بشار الأسد ونظامه، وتستمتع بخطابات الأسد المتعلقة بتجربته مع الشعب السوري في المعتقلات، وفي التدمير، وفي الكيماوي، وفي استجرار العروض الروسية والإيرانية لاحتلال البلاد!
مهما كانت نتيجة هذه القمة كخطوة سياسية من قبل الروس، ومن قبل النظام العربي، فإن هذا لن يغير من مصير النظام الذي عرّاه الربيع العربي، وأخرج عوراته إلى العلن، ومهما فعلت الطائرات الروسية من قصف، ومن شحن للرؤساء والمسؤولين العرب والروس إلى دمشق، فإنها لن تقنع أحدًا ببقاء هذا النظام، إلا تحت ظلال الغازات الكيماوية في السماء، وفي الزنزانات المظلمة تحت الأرض، والتي يقبع فيها ربع مليون سوري كرهائن للروس، وللإيرانيين، وللنظام، من أجل ضمان بقائهم في حكم سوريا، وضد إرادة الشعب السوري.
زيارة الجنجويد إلى دمشق مشهد جديد في دراما الإرهاب والتدمير في سوريا، وهي استكمال لمهمة الفريق مصطفى الدابي الذي عمل في دارفور السودانية، وارتكب جرائم ضد الإنسانية، والذي عينته الجامعة العربية مراقبًا في سوريا في كانون الأول 2011، وتم قتل أكثر من ألف سوري أمام أعين مراقبيه، وكان الدابي رمزًا من رموز استمرار القتل في سوريا، وبرضا عربي ودولي يسترجع تجربة السودان في دارفور.
الثورة السورية قامت من أجل رمي هذا النظام، والتخلص من وحشيته ومحاولة الروس وغيرهم إنعاشه، ومده بتجربة دارفور لم تنجح مع الفريق الدابي من قبل، ولن تنجح مع حسن البشير رئيس الجنجويد، فالروس وداعموه يهدرون الزمن والطاقات من أجل إحياء هذا النظام الذي تنبعث روائح موته الواخزة، ولن تنفع عطور العالم بمحو رائحة جثته المتعفنة، هذا النظام لن تكتب له الحياة من جديد، فهل يفهم الروس والإيرانيون ذلك، أم إنهم لا يريدون إلا التعلّق بالوهم، والاستمرار بتجاهل إرادة الشعب السوري!
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :