ترامب يخلط الأوراق في سوريا  

  • 2018/12/23
  • 12:00 ص

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يصفق له أعضاء جمهوريون من الكونغرس وحاضرين آخرين - كانون الأول 2018 (رويترز)

عنب بلدي- خاص

خلط الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الأوراق في سوريا بالقرار المفاجئ الذي أعلن فيه سحب قواته بشكل كامل من الأراضي السورية، وفتح باب التحليلات لاستشراف المرحلة المقبلة التي يقبل عليها الملف السوري سواء على الصعيد السياسي أو العسكري على الأرض، خاصةً مع حديث البنتاغون عن “مرحلة تالية” سيتم العمل عليها عقب الانتهاء من عملية الانسحاب.

تدور التساؤلات في الوقت الحالي عن الرابح والخاسر من القرار الأمريكي، رغم عدم اتضاح الصورة الكاملة للقرار، والذي أرجعه الرئيس ترامب إلى ستة أشهر مضت، إذ كان قد تحدث في السابق عن نيته سحب القوات بشكل كامل، الأمر الذي يتعارض مع التصريحات الصادرة عن وزارة دفاعه والتي حددت أولوياتها مؤخرًا بقتال التنظيم وإنهاء الوجود الإيراني في سوريا، إلى جانب عملية انتقال سياسي “عادلة”.

وبالعودة إلى شهر تموز الماضي، نقلت صحيفة “الشرق الأوسط” عن مصادر غربية، حينها، أن ترامب بصدد اتخاذ قرار في بداية تشرين الثاني المقبل، يعلن فيه الانسحاب التدريجي من شمال شرقي سوريا ضمن مدة قد تستمر ثمانية أشهر.

وقالت الصحيفة، إن وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) بدأت بدراسات لتعريف الانسحاب العسكري، بحيث يتضمن تقليص الوجود الأمريكي، وزيادة وجود الحلفاء، مع احتمال بقاء رمزي لقوات جوية لتشجيع دول أخرى على البقاء في الأرض.

وبين تخبط داخلي في الإدارة الأمريكية من جهة وأهداف غير معلنة على المستوى الدولي من جهة أخرى، يبقى قرار ترامب رهن التحليلات التي لا يمكن الأخذ بها قبل نهاية فترة الانسحاب التي تحددت خلال أربعة أشهر.

تركيا تتريث لـ “فترة”

بعد ساعات من قرار ترامب توجهت الأنظار إلى تركيا، والتي كانت قد أعلنت عن بدء عملية عسكرية شرق الفرات ضد “وحدات حماية الشعب” (الكردية)، إذ إنه من المفترض أن يعطي قرار الانسحاب زخمًا كبيرًا لها للمضي بالعملية، لكن الأمر كان عكس ذلك وأعطى موقفًا خالف التوقعات.

وقال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إن بلاده تريثت بالعملية العسكرية شرق الفرات، بعد إعلان دونالد ترامب سحب قواته من سوريا، مضيفًا أن “المستجدات الأخيرة دفعتنا للتريث لفترة (…) في الأشهر المقبلة سنراقب عناصر PYD وPKK وطبيعة تحركاتهم”.

وأوضح أردوغان، “مكالمتي الهاتفية مع ترامب، واتصالات أجهزتنا الدبلوماسية والأمنية دفعتنا إلى التريث لمدة (في إشارة لعملية شرق الفرات)”.

وكان الموقف الجديد لتركيا قد سبقه ضغط كبير على طول الحدود مع سوريا، إذ أرسل الجيش التركي تعزيزات وفرق “كوموندوز” إلى قبالة مدينتي رأس العين وتل أبيض، كما أعلنت فصائل “الجيش الوطني” استنفارها للمشاركة في العملية، والتي تحدد العمل فيها بالسيطرة على مدن منبج، وتل أبيض، وعين العرب (كوباني).

وقال أردوغان ردًا على قرار ترامب، “نرحب بالقرار لكن بحذر شديد”، مشيرًا، “ترامب سألنا هل بوسعكم القضاء على داعش؟ (…) نحن قضينا عليهم ويمكننا مواصلة ذلك مستقبلًا، ويكفي أن تقدّموا لنا الدعم اللازم من الناحية اللوجستية”.

وأضاف، “أولويتنا هي ضمان أمن المنطقة، والخطوات التي نخطوها سواء مع روسيا أو إيران هدفها تحقيق الأمن”.

حذر روسي- إيراني

الموقف الروسي والإيراني من القرار كان غير متوقع أيضًا، وحملت التصريحات الرسمية من جانبهما “صيغة حذر”، وبينما طالبت روسيا أمريكا بتوضيحات حول المرحلة المقبلة التي قد تعقب الانسحاب، اكتفت إيران بالحديث عن الوجود الأمريكي “غير العقلاني”.

وقالت روسيا، الجمعة 21 من كانون الأول، إنه من غير الواضح حتى الآن الطريقة التي ستنسحب فيها الولايات المتحدة الأمريكية من سوريا، وأضاف المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف أنه “من غير الواضح بالنسبة لموسكو حتى الآن كيف ومتى وأين وبأي طريقة سيغادر الأمريكيون سوريا”.

بينما ذكرت المتحدثة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، أن “موسكو تود أن تفهم ما تعنيه الولايات المتحدة بالمرحلة الجديدة من الحملة في سوريا”.

وأضافت أن “الولايات المتحدة قالت إنها انتقلت إلى مرحلة جديدة، لم تُعرف بعد ماهية هذه المرحلة الجديدة، لا توجد تفاصيل”.

إيران اعتبرت أن دخول ووجود القوات الأمريكية في سوريا هو منذ البداية عمل كاذب وغير عقلاني ومجهد، وقال نائب وزير الخارجية الإيراني، بهرام قاسمي إن “لوجود الأمريكي دائمًا أحد الأسباب الرئيسية لعدم الاستقرار وعدم الأمن في المنطقة”.

وأربك قرار ترامب المستشارين الأمريكيين إلى جانب الحلفاء على الأرض المتمثلين بـ “قوات سوريا الديمقراطية”، كونه جاء مفاجئًا ومغايرًا للسياسية الأمريكية التي حددها المبعوث الأمريكي إلى سوريا، جيمس جيفري، بقتال تنظيم “الدولة” وإنهاء الوجود الإيراني في سوريا.

وفي تقرير أورده معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، الأربعاء الماضي، قال إنه “يجب على البيت الأبيض أن يفهم أن عنصرًا رئيسيًا في سياسته تجاه إيران معرّض للخطر هنا، وتحديدًا الجهد المبذول لمنع إيران من ترسيخ نفسها في سوريا، وإقامة جسر بري إلى لبنان، والتهديد المباشر لإسرائيل”.

“قسد” تتجه إلى فرنسا

بالانتقال إلى الطرف الذي قد يكون أكبر المتضررين من قرار الانسحاب وهو “قوات سوريا الديمقراطية”، توجه وفد منها إلى فرنسا بعد يوم من إعلان ترامب، من أجل طلب بقاء القوات الفرنسية في سوريا كخطوة لملء الفراغ الذي قد يشغله الانسحاب الأمريكي.

وفي تصريح لها خلال زيارتها الإليزيه، الجمعة 21 من كانون الأول، طالبت الرئيسة المشتركة لـ “مجلس سوريا الديمقراطية”، إلهام أحمد، باريس بفرض حظر جوي على مناطق شمال شرقي سوريا.
وقالت إن فرض الحظر الجوي سيضمن عدم عودة تنظيم “الدولة الإسلامية” إلى مناطق شرق الفرات، كما سيحافظ على الأمن والسلم الدوليين، بحسب تعبيرها.

بينما وصفت وزيرة الدفاع الفرنسية، فلورانس بارلي، قرار الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بالانسحاب من سوريا بـ “الفادح للغاية”.

وأضافت أنه “لا يزال أمام التحالف الدولي مهمة ينجزها بالرغم من القرار الثقيل الوقع الذي اتخذه الرئيسي الأمريكي والذي سيدخل تغييرًا عميقًا على المعادلة”، لافتةً إلى أن بلادها لا ترى أنه تم القضاء بالكامل على تنظيم “الدولة”، وذلك خلافًا لرأي ترامب.

التنظيم يهاجم بعد الانسحاب

على الأرض ألقى قرار الانسحاب بتبعاته على العمليات العسكرية الدائرة في آخر معاقل تنظيم “الدولة” شرق الفرات، وهو مدينة هجين والقرى والبلدات التابعة لها.

ونقلت وكالة “ANHA” التابعة للإدارة الذاتية عن مصدر في “قسد”، الجمعة 21 من كانون الأول، قوله، “تستغل مرتزقة داعش الأحوال الجوية في منطقة هجين، وتشن منذ صباح اليوم هجمات في محاور بلدتي سوسة وشعفة، فيما تتصدى قوات سوريا الديمقراطية لها”.

وأضاف أن تنظيم “الدولة” يستخدم عشرات العربات والأسلحة الثقيلة، مشيرًا إلى أن “مقاتلي قسد دمروا عددًا من العربات العسكرية لداعش”.

وفي أثناء زيارتها إلى الإليزيه هددت الرئيسة المشتركة، إلهام أحمد، بإيقاف العمليات العسكرية ضد التنظيم في حال شنت تركيا أي معركة على الحدود، وذلك عقب إعلان قرار الانسحاب.

وقالت أحمد إن أي عملية عسكرية تقوم بها تركيا ستجبر قوات “قسد” على الانسحاب من نقاط المعارك في دير الزور لحماية الحدود، مضيفةً أنه “ما زال الآلاف من مرتزقة داعش يتحصنون في تلك المنطقة (هجين)”.

وكانت الناطقة باسم حملة “عاصفة الجزيرة”، ليلوى العبد الله، قالت لعنب بلدي، مطلع كانون الأول الحالي، ” في الوقت القريب ستزف بشرى تحرير هجين بشكل كامل وإنهاء نفوذ داعش من الشمال السوري وصولًا إلى الحدود السورية- العراقية”.

وأضافت العبد الله أن العمليات العسكرية لا تزال مستمرة في هجين، إذ “لا تزال بعض البقع خارج سيطرتنا في المنطقة”، مشيرةً، “المعارك على أشدها ونتقدم مع اشتباكات عنيفة”.

مقالات متعلقة

سوريا

المزيد من سوريا