إدلب.. وجراحة الأعصاب
ماجد المحمد
يحكى على سبيل النكتة أن شخصًا أحوجه سوء وضعه الصحي إلى إجراء عملية جراحة عصبية بالغة الدقة والخطورة، فسأل طبيبه عن نسبة نجاح العملية، فأجابه الطبيب بأن احتمال النجاح هو واحد بالمئة، لكن لا داعي للقلق فعمليتك ناجحة لا محالة. فسأله المريض بدهشة: وكيف ذلك يا دكتور؟ فقال الدكتور: لقد أجريت العملية لتسعة وتسعين مريضًا، كلهم ماتوا، وأنت ستكون ذلك الواحد من مئة!
تداعت هذه الطرفة إلى ذهني بفعل الأصوات التي تتعالى كل مرة مطالبة بفصل المعارضة المتطرفة عن تلك المعتدلة في محافظة إدلب. وهذه الأصوات تأتي دائمًا من معسكر تدمير سوريا المتمثل بإيران وروسيا ومن دار في فلكهم. فهذه هي المحافظة الأخيرة من محافظات سوريا التي لا تزال تحتوي على كيانات للمعارضة بعد تلاشيها من باقي المحافظات التي شهدت دمارًا وعودة أشرس للنظام.
وهكذا يراد التعامل مع إدلب كسابقاتها من خلال هذا الطلب التعجيزي الذي يشبه جراحة عصبية دقيقة وحرجة. هذا على الرغم من التسليم بحقيقة أن المجتمع السوري عمومًا يلفظ الفكر المتطرف الذي تحمله بعض الكيانات هناك ولا يجد له منبتًا خصبًا على التراب السوري، على الرغم من المحاولات التجميلية المتكررة بتغيير المسميات والرايات لتخفيف الحملة ضدها سواء من الشعب السوري من خلال التظاهرات التي تنادي بحلها، أو من المجتمع الدولي الذي يعتبر الجماعات الموالية للقاعدة فكريًا أو تنظيميًا كيانات إرهابية.
وفي الواقع، يشكل هذا المطلب خنجرًا في خاصرة اتفاق سوتشي قد يطيح به وينهيه. هذا الاتفاق الذي يشبه كثيرًا مريضًا في حجرة العناية، تمده بالحياة أنابيب ووصلات تغذية وتنفس يحاول البعض تثبيتها لضمان استمرارية حياته، بينما تعمل أطراف أخرى على نزعها وإيقاف أسباب الحياة. فالنظام يدغدغ هشاشة الاتفاق من خلال قصف متباعد زمنيًا لمناطق في إدلب –لا سيما في محيطها– لا يرتقي لمستوى الهجمة، رغم الضحايا التي يخلفها، وفي ذات الوقت يجس نبض الأطراف وردود الفعل، كما يلبي له ممارسة ساديته ودمويته ضد الشعب السوري.
كما أنه في هذه الأثناء تتكثف اللقاءات الروسية- التركية على المستويين السياسي والعسكري في مناسبات عدة لا يكاد يخلو أي منها من تناول ملف إدلب على مائدة النقاش. هذه الترتيبات الثنائية بين البلدين يحضر خلالها هاجس المصالح المتبادلة والمتنامية بينهما اقتصاديًا واستراتيجيًا أيضًا، ولا جرم أنها ستلقي بظلالها على ما تتم صياغته وترتيبه لإدلب. وفي جغرافيا بعيدة لشأن قريب يرتقب عقد اجتماع في أستانة كحلقة من مسلسل تراجيدي طويل ستكون إدلب أهم ملفاته. يحدث هذا في موازاة مسار لا يقل تعثرًا عن سابقه يناقش الدستور، فيما يبدو أنه لن ينجز كثيرًا تزامنًا مع مغادرة دي مستورا غير مأسوف عليه، بعد مهمة بائسة فاشلة. أضف إلى ذلك تعقد مسار جنيف للحل السياسي ووصوله لحالة أشبه بالموت السريري مع تجبر الروس وغطرستهم في مقاربة الوضع السوري.
إن انهيار الاتفاق واشتعال المحافظة الأخيرة سيكون بمثابة انفجار برميل البارود. فعلى صعيد المعارضة المسلحة، سيكون خيارهم التصدي لهجمة محتملة من النظام وداعميه، وسيكونون أشبه بالقط المحشور في الزاوية إذ يدافع ويهاجم بشراسة أكبر. وعلى صعيد المدنيين، فلن يكون ثمة مكان للجوء والنزوح، فتركيا لن تحتمل مزيدًا من الفارين إليها، كما أن أوروبا تتخوف من موجة جديدة من المهاجرين، وسيصبح احتمال نزوحهم إلى مناطق الداخل السوري أقوى. فالذين قدموا إلى إدلب الخضراء بالباصات الخضراء من مدنيين وعسكريين لن يقبلوا الصعود إليها مرة أخرى ولو كلفهم ذلك حياتهم. وحين ذلك قد تتشكل بداية انتفاضة جديدة تجسد موجة ثانية من الثورة تتلافى أخطاء المرحلة السابقة سياسيًا وعسكريًا.
أخيرًا، يقول الخبر: ترغب إيران بنشر قوات حفظ سلام في إدلب.
لك أيها القارئ الكريم مطلق الحرية في أن تضحك، أو تستغرب، أو تسخط!
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :