أثارت زيارة الرئيس السوداني، عمر البشير، إلى العاصمة دمشق، كأول زيارة لرئيس عربي منذ عام 2011 تساؤلات عدة، كونها تصب في خطوات إعادة تعويم نظام الأسد بعد سنوات من العزلة، وتتزامن مع مرحلة حساسة يشهدها الملف السوري على المستوى السياسي.
جاءت الزيارة بصورة خاطفة، ولم تعطِ التصريحات الرسمية من السودان أو النظام السوري أي توضيح عن الهدف منها، الأمر الذي فتح باب التحليلات لتوضيح أسبابها وما قد يترتب عليها في الأيام المقبلة.
ويعتبر البشير أول رئيس عربي يزور سوريا منذ اندلاع الثورة السورية في 2011.
وعلى مدار سبع سنوات مضت عرفت التصريحات السودانية بالتناقض، إذ تؤكد بشكل مستمر على أن الحل في سوريا سياسي وليس عسكريًا، ونتيجته “قاتل ومقتول”.
وأفردت الصحف العربية اليوم، الثلاثاء 18 من كانون الأول، مساحةً واسعة للحديث عن الزيارة، والتنبؤات المتعلقة بها، إن كانت ستقدم جديدًا على الساحة السورية.
بتوقيت موسكو
البداية من مقالة الكاتب والسياسي اللبناني محمد قواص، والتي حملت عنوان “البشير في دمشق بتوقيت موسكو” في صحيفة “العرب” اللندنية.
اعتبر قواص في مقالته أن زيارة البشير هي خطوة سودانية تصب في مصلحة روسيا، ولا تعكس عودة سوريا بقوة في الأجندة العربية.
وقال إن العرب بمنظومتهم الجامعة أو بأجنداتهم المتفرقة هم الآن خارج أي فعل في سوريا، وسواء أتى البشير وغير البشير من الشخصيات العربية في هذه الأوقات لزيارة العاصمة السورية، فذلك “تفصيل مهم في الشكل فارغ المضمون”، لا حساب له في تغيير موازين القوى الناظمة لخرائط اللاعبين الحقيقيين.
ولا يبدو أن للخرطوم مكانة أو دورًا بإمكانهما أن يتداعيا على قرار دمشق كما قرار العرب من دمشق، خاصةً أنها خارج “أستانة” و”جنيف”، مرورًا بواشنطن وموسكو وأنقرة وطهران، انتهاء بعواصم الاتحاد الأوروبي وإسرائيل.
وبحسب الكاتب، يأتي البشير إلى سوريا في عمل يصب في حسابات روسيا وليس حسابات العرب، إذ ترسل موسكو من خلال الرئيس السوداني رسائل للأمريكيين والأوروبيين أن العرب يستعدون للتطبيع مع نظام الأسد، لعل في تلك الرسائل “ما يخفف من عناد العالم الغربي في مقاربته لمسائل إعادة الإعمار واللاجئين”.
واعتبر أن “موسكو تقول لواشنطن إن خرائطها للتسوية ناجعة، ليس فقط في ترويض طبائع الأتراك والإيرانيين، بل هي بدأت تعرض للواجهات الأولى لعملية ترميم علاقات النظام العربي بنظام دمشق”.
الثالث.. بوتين
بالانتقال إلى مقالة الكاتب، ساطع نور الدين والتي حملت عنوان “البشير والأسد وثالثهما بوتين” في صحيفة “المدن” نجد أن وجهة نظره تختلف عن وقاص بشأن الأجندة العربية الخاصة بزيارة البشير.
وقال نور الدين إن البشير “مرسل من قبل نادي الزعماء العرب الذين وقفوا جنبًا إلى جنب لدرء خطر الربيع العربي قبل سبع سنوات، لاستكشاف فرص عودتهم تباعًا إلى دمشق (…) يزيد الضابط السوداني قيمة، ويضفي على دوره أهمية لن ينالها”.
ورأى أنه “يمكن لزيارة علنية يقوم بها وفد عسكري سعودي أو إماراتي أو مصري إلى العاصمة السورية أن تحدث فارقًا سياسيًا أكبر بكثير من الزيارة الرئاسية السودانية الخاطفة”.
وبدا الرئيس السوداني في زيارته الدمشقية الخاطفة، بحسب الكاتب، كأنه “موفد رسمي روسي يستكمل الحملة المكثفة التي يخوضها الكرملين من أجل إعادة تأهيل النظام السوري بشكل تدريجي هادئ وثابت، وتبديد جميع الدعاوى والقضايا القانونية التي تلاحق رموزه، مستفيدًا من تجربة البشير بالذات، الذي فتحت له الأحضان العربية والدولية”.
وترك نور الدين الباب مفتوحًا أما تحليلات زيارة البشير في ختام مقالته، وقال، “الرحلة الرسمية التالية إلى دمشق تحسم هذا الشرط، وترد أيضًا على السؤال اللبناني الملح عما إذا كانت بيروت هي ملتقى التطبيع العربي مع النظام السوري، وثمنه”.
لقاء متعوس
في ذات السياق اعتبرت صحيفة “القدس العربي” في مقالة لها تحت عنوان “البشير والأسد: ماذا وراء لقاء متعوس مع خائب رجاء؟” أن البشير يريد من زيارته إلى دمشق الهروب إلى الإمام من مشكلات السودان الداخلية، والتي تشمل الاقتصاد والسياسة والمجتمع، و”تدفع الفئات الشعبية السودانية إلى حضيض الفقر والبؤس”.
وقالت إن البشير يريد أيضًا الذهاب أبعد في تحويل السياسة الخارجية للسودان إلى لعبة مناورة بين المتناقضات والمحاور في المستوى العربي والإقليمي، وكذلك على نطاق دولي.
وبعيدًا عما ذكره وقاص ونور الدين، أشارت الصحيفة إلى أن تحرك البشير يرتبط بخيار الانفتاح على دولة الاحتلال الإسرائيلي، والتي تجسدت أولى دلائله في إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أن السودان سوف تكون الدولة العربية التالية التي سوف يزورها بعد سلطنة عمان.
–