الكشّاف البشير عند البشّار

  • 2018/12/18
  • 10:15 ص
مهند الحاج علي

مهند الحاج علي

مهند الحاج علي – المدن

أخطأ المحللون في حصر زيارة الرئيس السوداني عمر البشير إلى دمشق، بانفتاح دولة غير مؤثرة عربياً على نظام معزول دولياً. بالعكس تماماً. البشير جندي إقليمي، بالمعني الحرفي للكلمة. وهو بالتالي لديه ما يكفي من الانضباط في محوره، كي لا يُقدم على هذه الخطوة البالغة الأهمية منفرداً. جاء البشير إلى دمشق كشافة استطلاع، أو في مهمة جس نبض. أن تأتي الصدمة الأولى للتطبيع مع النظام، من البشير، أفضل، إذ يمتص الأخير موجة الغضب، بانتظار سلوك الآخرين طريقاً باتت مُعبّدة.

لكن هذا البُعد الإقليمي للزيارة ليس منفصلاً عن سياق داخلي. البشير يؤدي هذه الأدوار غير المحمودة في سُلّم الهيبة والاعتبار الإقليميين، عند ولوجه في أزمات داخلية لا يقوى على حلها، سوى بتدخل أو مساعدة خارجية. في حرب اليمن، شارك البشير مقابل المساعدة في التطبيع مع الولايات المتحدة والعالم الغربي، وبعض المعونات الاقتصادية والعسكرية. جاء هذا القرار عقب أزمات داخلية وتكثيف الاحتجاجات نتيجة عدم الاستقرار المالي، وأيضاً اثر انقلاب الرئيس السوداني على الإسلاميين لمصلحة العسكر داخل فريقه الحاكم.

بالتزامن مع زيارة البشير إلى دمشق، يتظاهر السودانيون احتجاجاً على انهيار جديد في الجنيه السوداني مقابل الدولار (خسر أضعاف قيمته خلال سنوات، وانخفض احتياطي العملات الأجنبية الى مليار دولار). تزداد وتيرة قمع الحكومة المركزية للأصوات والحركات المعارضة في أنحاء البلاد، بالتزامن مع انفتاح البشير على الولايات المتحدة والعالم. هذه مفارقة تنفع في مقاربة السياسات الأميركية في المنطقة.

واللافت أيضاً أن الرئيس السوداني يزور سوريا مع ارتفاع وتيرة التطبيع بين الخرطوم من جهة، وإسرائيل بقيادة بنيامين نتنياهو من جهة ثانية. لم تعد العلاقات الإسرائيلية-السودانية سراً، بل وصلت العلاقة إلى مرحلة متقدمة نتيجة خدمات اسرائيلية في مجالين: الأول، مساعدة اللوبي الاسرائيلي في واشنطن في تسهيل التطبيع بينها وبين النظام السوداني. والثاني، مساعدة تقنية في قمع المعارضة والتجسس عليها لحماية النظام.

خرجت العلاقات الاسرائيلية السودانية إلى العلن أخيراً، مع اعلان اسرائيلي واضح بأن وقت تطبيع العلاقات قد حان. كانت الاتصالات العالية المستوى بدأت عملياً مع قطع السودان علاقاته بايران عام 2015، لتبدأ بعدها المطالب الاسرائيلية بتطبيع واشنطن مع النظام، رغم ارتكاباته في دارفور، ومذكرة الاعتقال الدولية الصادرة بحق البشير عام 2009. سرّب الإعلام الاسرائيلي الشهر الماضي بأن مسؤولين دبلوماسيين وأمنيين من البلدين ناقشوا في اسطنبول، تطوير العلاقات بينهما “واحتمال مساعدة اسرائيل للسودان في مجالات الطب والزراعة والاقتصاد”. مثّل السودان في الاجتماع قائد الاستخبارات حينها محمد عطا، وفقاً لتقرير نشره موقع “ذي تايمز أوف اسرائيل”. ونقلت القناة الاسرائيلية العاشرة عن مسؤول اسرائيلي رفيع المستوى أن زيارة الرئيس التشادي ادريس ديبي الى اسرائيل الشهر الماضي، تُمهد للتطبيع مع 3 دول مسلمة في أفريقيا: السودان ومالي والنيجر، في اطار الانفتاح على العالم الاسلامي، وفتح أجوائه أمام الطيران الاسرائيلي. “العال”، شركة الطيران الاسرائيلية، بات بإمكانها السفر فوق عُمان باتجاه الهند، وأيضاً فوق السودان للتخفيف من طول مدة السفر إلى أميركا اللاتينية بأربع ساعات على الأقل، وفقاً لتصريح أدلى به نتنياهو.

بهذا الإرث، يأتي البشير إلى دمشق. ذلك أن للانفتاح على سوريا ثمناً على الأسد أن يدفعه، مدعوماً بروسيا التي حملت إحدى طائراتها الرئيس السوداني (المبعوث الرئاسي العربي الأول الى سوريا).

وهناك انعكاسات لهذا الانفتاح أبعد من سوريا نفسها، وتحديداً في لبنان. وعلى اللبنانيين التفكر ملياً بزيارة البشير وانفتاح الأسد على “المحور العربي” خلال الشهور المقبلة. بيد أن احتمالات عودة هذا النظام لاعباً إلى الساحة اللبنانية، بقرار اقليمي وبرضا أميركي-اسرائيلي، لم تعد بعيدة جداً. قبل 28 عاماً، حصد النظام السوري هيمنته في لبنان، ثمرة مشاركته في حرب الخليج بقيادة الولايات المتحدة عام 1990. لـ15 عاماً، احتوى النظام السوري ايران وحصر نفوذها بإطار مُحدد خاضع للمراقبة والتدقيق والتنسيق.

قد تُحاك صفقات مماثلة لضمان دور روسي-سوري في هذا الاتجاه، لإعادة انتاج السيطرة السورية السابقة بأشكال مختلفة. قد تفصلنا شهور فقط عن أحداث تُحدد معالم انقسامات سياسية جديدة في لبنان في اطار هذه التبدلات الاقليمية.

مقالات متعلقة

صحافة عربية

المزيد من صحافة عربية