“المجرات تدور، الكواكب تدور، والدورة الدموية في الجسم تدور، الحجاج حول الكعبة يدورون، وقطرات الماء من البحار إلى السماء فالأرض عائدة إلى البحار، كلها تدور”.
بهذه الكلمات بدأ جلال الدين الرومي الدوران في طقس من طقوس الحب الإلهي، وقد استرعته الزهور، وغناء الطيور، في أثناء توجهه لأداء صلاة الفجر.
يوافق اليوم، الاثنين 17 من كانون الأول، الذكرى 745 لوفاة كبير المتصوفين في العالم الإسلامي جلال الدين الرومي.
وتحتفل ولاية قونيا التركية، التي تلقبه بـ “مولانا”، بهذه المناسبة، بتنظيم احتفالية “شب عروس” التي تعني “ليلة العرس” باللغة الفارسية.
ولد الرومي في مدينة “بلخ” بخراسان عام 1207، و تتلمذ على يد العلامة شمس الدين التبريزي، الذي دربه على أصول التوحيد مع الاحتفاظ بالثقافة الشرعية، وحول مساره من علم القال إلى علم الحال والخلوة والذكر.
كان الرومي مسلمًا ملتزمًا طوال حياته، يؤدي الصلوات ويصوم الفرائض، ولكنه في نهاية حياته كتب عن “دين الحب” الذي يتجاوز كل حواجز المذاهب التقليدية، فكتب ما يزيد على ثلاثة آلاف قصيدة غزل ومقاطع غنائية، معظمها قصائد مقفاة عن الحب، وأكثر من ألفي رباعية (أربعة أبيات موحدة القافية).
كما كتب ملحمة روحية في ستة مجلدات عنوانها “المثنوي”، وفيها قال الرومي إن “دين الحب يتجاوز كل الأديان، الدين الوحيد للمحبين هو الله”.
سميت الرقصة “المولوية” نسبة إلى “مولانا”، الذي كان لقب جلال الدين الرومي مبتكرها، وتقوم الطريقة “المولوية” على عناصر ثلاثة أساسية، هي الموسيقى، الرقص، وإنشاد الشعر، وحصرًا شعر مؤسسها جلال الدين، وهو القائل، “هناك طرق عديدة تؤدي إلى الله، وأنا اخترت طريق الرقّص والموسيقا”.
يلقب مريدو “المولوية” بـ “أهل الله”، أما الراقصون الذين يدورون خلال الرقصة حول مركز الدائرة التي يقف فيها الشيخ، فيسمون “الدراويش”، وتعني الفقراء المنتمين لله بأقل الحاجات المعيشية.
ويعتقد هؤلاء أنه من خلال اندماجهم مع الموسيقا والدوران حول المركز، نفوسهم ترقى إلى مرتبة الصفاء الروحي وأنهم يتخلصون من المشاعر النفسانية، فينمو فيهم الحب، ويتخلون عن أنانيتهم، فهم يستغرقون في وجد كامل يبعدهم عن العالم المادي ويأخذهم إلى ملامسة الوجود الإلهي.
وتعتمد الموسيقا لدى المولويين على أنغام الناي، لأنه كان يعد أحد وسائل الجذب الإلهي، كما أنه أكثر الآلات الموسيقية ارتباطًا بعازفه، لأن أنينه يشبه أنين الإنسان، وحنينه إلى الرجوع إلى أصله السماوي في عالم الأزل.
من قونيا إلى حلب
على الرغم من أن مدينة قونية في تركيا كانت المقر الأول للطريقة المولوية، ومنها انبثقت التكايا (الزوايا) التي هي فروع للمركز، إلا أن الرومي درس الفقهَ والحديث وغيرهما من العلوم الإسلامية في المدرسة الحلوية في حلب، وتعلم كذلك الشعر العربي فيها، فتركت حلب في قلبه حبًا لم ينته حتى وفاته.
على حين ترك في أهل حلب نفحة من نايات العشق الإلهي، فاشتهرت “المولوية” في مدينة حلب وكان لها جوامع وزوايا منها جامع المولوية في باب الفرج بحلب، كما تحولت المولوية إلى فقرة فنية مستقلة تقدمها الفرق الفنية، منها فرقة أمية للفنون الشعبية وفرقة الحاج صبري مدلل.
ثم انتقلت “المولوية” من حلب إلى دمشق، واحتلت مكانة كبيرة في نفوس الدمشقيين، الذين لا تخلو احتفالية دينية من احتفالاتهم منها، ويعتبر المنشد حمزة شكور من أهم المنشدين الذين اشتهروا بأداء أشعار “المولوية”، وانتقلت شهرته إلى أوروبا.