مجد باكير – برنامج مارِس التدريبي
“لا تضايقني النكات التي تُحكى عنا، لكنني أنزعج من تقليد لهجتي التي ربما يجدونها غريبة” تقول غزل المشنتف، وهي شابة سورية تقيم في تركيا.
غزل هي إحدى بنات مدينة حمص التي يرتبط ذكرها بالفكاهة والنكتة، الأمر المرتبط بتناقل الكثير من الروايات الشعبية والتاريخية التي تحمل هذه الدلالة عن المدينة.
تقول غزل لعنب بلدي إنها لا تعرف الأساس الحقيقي للنكات التي تروى عن حمص، لكنها تتذكر أن كبار السن في محيطها كانوا يتداولون قصة عن الجيش المغولي، قيل إنها الأساس فيما ارتبط باسم حمص من أفكار وصور.
تحكي الرواية المتناقلة على نطاق واسع أنه بعد تجاوز القائد المغولي، تيمور لنك، مدن حلب والسلمية وحماة وتدميرها ونهبها، وجد أهالي حمص وقد ارتدوا أزياء غريبة، وعلّقوا القباقيب على صدورهم، وكانوا يضربون الأواني، ففوجئ جيش التتار بتهريج الحماصنة وابتعد عنهم.
وفي رواية أخرى، أنهم شقوا ملابسهم وحلقوا رؤوسهم بطريقة غير منسقة، ولطخوا وجوههم باللون الأحمر ليوهموا الجيش القادم أنهم مصابون بمرض الجذام، وهو مرض معدٍ يؤثر على الأعصاب وعلى الجلد والغشاء المخاطي، فخاف الزعيم المغولي على جيشه ولم يدخل المدينة، بحسب المؤرخ فيصل شيخاني، في كتابه “حمص درة مدن الشام”.
غير أن دكتور التاريخ الحمصي حسام الدين الحزوري، الذي يدرّس في قسم التاريخ بجامعة أم القرى السعودية، نفى لعنب بلدي هذه الرواية وقال، “لا يوجد إثبات تاريخي عن أن الهجمات المغولية شملت حمص وتلك الروايات محض خيال”.
وفي معرض الروايات التاريخية التي ينقلها شيخاني في كتابه، هناك من يعيد أصل ارتباط حمص بالنكتة إلى العصور الرومانية، وبالتحديد قصة البلاط الروماني، عندما طلبت الإمبراطورة الرومانية “جوليا دومنا” من المفكر “بابنيانوس” الحمصي الأصل أن يروي لضيوفها ما حصل بينه وبين موظف الأمن الحمصي، عند عبوره نهر الفرات.
وبحسب الرواية، فإن بابنيانوس قال “أردت أن أعبر نهر الفرات فسألني الموظف ما تحمل معك؟ ولما كنت لا أحمل شيئًا فقلت مازحًا إني أحمل الصدق، العدل، الوفاء. وهذه الألفاظ تنتهي بمقطع مؤنث باللغة الرومانية. فقال الموظف باستعجال جهز ثلاثة جوازات عبور للفتيات الثلاث وأهلًا بك”.
لكن الكاتب جورج كدر في مؤلفه “فن النكتة”، يرجع إلى روايات أقدم، أي إلى الفترة التي كانت تسود فيها “ديانة الخصب” في هذه المنطقة، و”هي الديانة التي ابتكرها أهالي حمص كثاني ديانة شمسية بعد الأخناتونية في مصر، وكان فيها إلههم إيلاك بعل”.
وتقول الرواية إن طقوس العبادة في تلك الديانة تتجلى بإعادة تمثيل الأسطورة عن أن العالم بدأ بفوضى ثم قام الإله بتنظيمه، ومن بين تلك الطقوس والاحتفالات هناك عيد يسمى عيد المجانين يقام يوم الأربعاء، وهو يمثل ثورة الطبيعة قبل خلق الهدوء والسكينة”.
غزل، الشابة الحمصية، أكدت لعنب بلدي أن ذكر حمص لا يرتبط فقط بالنكات، بل بيوم الأربعاء أيضًا.
وتعود غزل بالذاكرة إلى عام 2006، وأحداث الأربعاء السعيد المرتبط بمباريات فريق كرة القدم الحمصي، الكرامة، الذي استطاع أن يحرز لقب “وصيف أبطال آسيا”، وللمصادفة كانت أغلب مبارياته تقام يوم الأربعاء، فانتشر التعليق الرياضي الشهير “الأربعاء السعيد”.
وترى غزل أن هذه الأفكار التي ارتبطت بحمص وأهلها، تحمل طابعًا إيجابيًا، وهي سبب في جمع الناس حولها، وتقول “أختلط مع مختلف أطياف السوريين هنا في تركيا. بفضل تلك النكات أقمت علاقات جيدة مع الجميع”.
–