بيلسان عمر
لئن سمعت عبارات من قبيل «الله ينتقم من بشار وأعوانه بمالهم وولادهم وأعز ما عندهم، يبقى أسود وسواده غامق، المشحر، ينشل وما يلاقي حدا يقيم من تحته، الملدوع، يبقى كل ظالم صفة ورماد، يبعت له الخوص لعيونه التنتين، المقمع يبعت له الهالكة، إنشالله ما عاد يشوف الضنا» وغيرها الكثير من هذه العبارات، فأنت أمام سوري احترق قلبه، ويتضرع لله بلغته البسيطة أن ينتقم له من ظالمه، ولكن ما سر الدعاء على الآخر حتى يتمسك به كلا الطرفين؟
اعتدنا أن «سهام الليل لا تخطئ»، و «إياك ودعوات المظلوم، فإنهن يصعدن إلى الله كأنهن شرارات من نار» و «ثلاثة لا ترد دعوتهم: …، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام، ويفتح لها أبواب السماء ويقول الرب: وعزتي وجلالي لأنصرنكِ ولو بعد حين»، ومع ذلك كثيرًا ما نسمع اليوم عبارات من قبيل «انو شو عاملين حتى الله ما عم يستجيب لنا» وكل موقف يزيدنا تعجبًا من جرأة الظالمين على الله، ومن حلم الله عليهم.
ويعتبر الدعاء على الآخر عنف لفظي، يرتبط بالمعتقدات عند الإنسان، وبجانب آخر بالأسرة والتربية، وثالث بالبيئة المحيطة، وقد يحتسب أحدنا أمره فقط بعبارات من قبيل «الله أكبر» و «حسبنا الله ونعم الوكيل» و «لا حول ولا قوة إلا بالله»، مع يقين بأن حقه عائد له وإن طال الزمن، والحالة الأصعب القدرة على تحصيل الحق مع الاستمرار بالدعاء على الآخر، ليبرز هنا دور الانتقام والتشفي، وقد يكون السبب في جميع هذه الحالات الضعف في مهارات التواصل مع الآخر، ووضع الحدود مع، هذا في حال كان هناك تواصل مباشر معه، أو عدم القدرة على تحصيل الحق منه لشدة جبروته.
نعم.. نحن نؤمن بأن الله حرم الظلم على نفسه وجعله محرمًا بيننا، وأيضًا يقيننا بأن دعوة المظلوم لا تسقط بالتقادم مع الزمن، كما دعاوى مظلومي الأرض عند حكوماتهم الطاغية، فالله ليس بغافل عما يفعل الظالمون، إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار، ولكن هذا اليقين لن يحثنا على السكوت عن الظلم، فدائمًا تحرك أيها المظلوم ولا تقف، ولك في التاريخ عبرة، فأين الذين ظلموا؟ أين قارون؟ أين فرعون وهامان؟ أين عاد وأين ثمود؟ فأنت أيها الظالم تنام عيناك، والمظلوم منتبه، يدعو عليك، وعين الله لم تنم، فالعالم كله ينتظر منك توبة نصوح، أو مغادرتك الكون، حتى يدفنك في مقبرة التاريخ بجوار الطُّغاة.
ولنلقي الضوء على جانب آخر، كما تفعل الأم التي يأتيها ابنها الصغير باكيًا بعد أن ضربه صديقه، فيكون ردها «يكسر إيد رفيقك، وليش أنت ما ضربته»، والأغرب مشهدها تنهال بنفسها دعاء على أولادها، ثم تبرّر فعلتها «الأم بتدعي ع ولدها وبتبغض اللي بقول آمين»، أو كما يفعل المشايخ الذين يسعون لنشر هذه الفلسفة، مشجعين على مفهوم الاستسلام الكامل بأن الله لن يرد دعوة مظلوم، ناسين أو متناسين أن علينا المطالبة بحقوقنا، وعدم السكوت على الظلم، بل وأكثر فعلينا نصر الظالم، وكذا المظلوم برده عن ظلمه.
ولكن هل آمنّا يقينًا بـ «احذر من الدعاء على الآخرين»، فنحن لم نبعث لا لعّانين ولا طعّانين، نحن رحمة للعالمين، فهل نفكر مليًّا بأن نشغل أنفسنا بالدعاء لذاتنا، بأن يكفينا الله شر الظالمين، بعد أن نأخذ بأسباب تحصيل حقوقنا منهم، والأكثر هل آمنّا بعدم ظلم الآخرين قولًا أو فعلًا، ولنستحضر ما كتبه عمر بن عبد العزيز إلى بعض عمّاله: «أمّا بعد، فإذا دعتك قدرتك على الناس إلى ظلمهم فاذكر قدرة الله عليك وفناء ما تؤتي إليهم وبقاء ما يؤتون إليك، والسلام «.