إبراهيم العلوش
ألقى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خطابًا أمام شعبه بتاريخ الاثنين 10 من كانون الأول 2018، وخاطب متظاهري السترات الصفراء، بأنه ارتكب بعض الأخطاء، وأن التراجع المعيشي يحتاج إلى علاج جماعي، وألغى العديد من الضرائب عن الفقراء، بدلًا من أن يصفهم بالجراثيم كما فعل بشار الأسد في بداية التظاهرات السورية.
وهو لم يهدد المتظاهرين بالعفو عن المجرمين الجنائيين مقابل تعهدهم بالتعاون مع ميليشيات الشبيحة، ولا بإطلاق عقارب المتطرفين الإسلاميين الذين كان قد جمعهم من أجل أن يرسلهم إلى العراق، لمساعدة إيران في تدمير ما تبقى من هذا البلد العربي المجاور.
ولم ينشر دعايات كاذبة مثلما انتشرت دعاية الأمن والأمان في ظل أجهزة المخابرات مثل “أختي كانت ترجع الساعة ثلاثة بالليل”، أو نشر تهديدات ضد المتظاهرين مثل “ماهر الأسد يهدد بشلح البيجاما!”، وطبعًا شلح ماهر الأسد البيجاما فيما بعد للإيرانيين وللروس، ولا يزال عاريًا أمامهم، وقد سلم الحرس الجمهوري والفرقة الرابعة لهم، نكاية بهذا الشعب (الخائن)!
خاطب الرئيس الفرنسي المتظاهرين بكل احترام، ودعاهم للإسهام بتغيير القوانين التي تضايقهم، وتعهد الالتزام بروح الدستور الفرنسي الذي أقرته مبادئ الثورة الفرنسية، والذي يشدد على حرية المواطن وعلى كرامته. في حين أن بشار الأسد عبّر عن احتقاره للناس، وحتى للدستور الذي كتبه أبوه منذ اليوم الأول لوراثته الحكم مع فريق قادة أجهزة المخابرات. دعا إلى كتابة دستور جديد على مزاجه الخاص وأعطى لنفسه صلاحيات تحوله إلى نصف إله، وتسمح له حتى بخيانة البلاد وأهلها، وهو وفقًا لهذا الدستور المسمى دستور عام 2012 لا يحاسب على جرائم التعذيب التي أمر بها، ولا على تدمير البلاد، ولا على تهجير نصف شعبها، ولا على تسليمها عبر اتفاقيات استعمارية طويلة الأمد لروسيا ولإيران، فالبلاد بنظره، وبنظر شبيحته، هي مجرد مزرعة لآل الأسد!
تراجع الرئيس الفرنسي عن ضريبة البترول التي ترفع سعر المازوت والبنزين حوالي 15%، في حين لم يتراجع النظام السوري الذي رفع سعر المازوت من ست ليرات إلى 25 ليرة قبل عام 2011، وضرب المحاصيل التي تعتمد على الري بمضخات الآبار الارتوازية. وكذلك ضرب الجفاف منطقة الجزيرة السورية، وأفقر أهلها وحولهم إلى سكان مخيمات في ضواحي المدن الكبرى، بعدما كانوا مزارعين ومربي مواشٍ، ولم يأبه النظام بمأساة هؤلاء الناس الذين انهارت أعمالهم، فمن الحسكة، ودير الزور، والرقة، نزح أكثر من مليون إنسان إلى مدن وأرياف دمشق وحلب واللاذقية ودرعا.
وتوالى الانهيار في القرى والبلدات الريفية السورية، في نفس الوقت الذي يتضخم فيه حجم الشركات العقارية، والمصرفية، والتجارية، والخدمية، لآل مخلوف وزبانيتهم الذين يعملون جميعًا لخدمة عائلة الأسد، ومزرعتها الجمهورية المخابراتية.
ففي كل يوم بعد استيلاء بشار الأسد على الحكم، كانت التلفزيونات والصحف تعلن عن ولادة مسخ تجاري، أو بنكي، أو شركة قابضة تستولي على جزء آخر من اقتصاد البلاد، وتتلاعب بالأنظمة والقوانين، ابتداءً من شركة “سيرياتل” التي استولت على شبكة الخلوي في سوريا حتى اليوم، وبالمشاركة مع الشركات التي تتبع أيضًا لأطراف أخرى من عائلة الأسد، وصولًا إلى شركات وبنوك الشام القابضة على المال العام، وعلى العقارات في داخل المدن وخارجها مثل مشروع “حلم حمص”، وعلى الأسواق، مثل سوق شارع الأمين بدمشق، وتخنق المواطن السوري بلا رحمة، فقد تحولت البلاد من نظام الاعتقال الذي أسسه الأسد الأب في الثمانينيات، إلى نظام الخنق الاقتصادي والإفلاس والتجويع، مع رفع عصا المخابرات فوق رؤوس الجميع، ومنذ أن تعاظمت سطوة هذه الشركات الممسوخة، عادت السطوة الأمنية، والتهديد بها، وخاصة بعد عام 2005، وكانت نذرها قد بدأت منذ اعتراض النائب رياض سيف على استيلاء “سيرياتل” على قطاع الاتصالات الخلوية السورية، حيث تم اغتيال ابنه وإفلاس شركته واعتقاله فيما بعد.
طبعًا حتى اليوم لم يعترف الرئيس (الرمز) بهذه التجاوزات على الأموال العامة، بل عززها بالقانون “رقم 10″، الذي يستولي على أموال المهجرين السوريين، وعقاراتهم، ويسلمها للشركات العقارية الإيرانية والروسية التي تدّعي إعادة إعمار سوريا التي خربوها بأسلحتهم، وبميليشياتهم الطائفية، وما التعديلات التي أجريت على هذا القانون إلا تعديلات شكلية لا تلغي آثاره التي تشبه آثار القانون الإسرائيلي الشهير في الاستيلاء على أملاك الغائبين.
إعلام النظام وشبيحته يتعاملون مع الأحداث التي تجري في فرنسا بفوقية، ويتباهون بالدمار الذي ألحقوه في البلاد لإسكات صوت الشعب السوري، في حين يسخرون من الرئيس الفرنسي الذي يعتذر عن أخطائه، ويعد بالمزيد من الحلول الناجعة لرفع مستوى المعيشة للفرنسيين، وهو لم يستنجد بأخيه ليشلح البيجاما، ولم ينشر تماثيل أبيه الذهبية وسط الخراب المحيط بها في دير الزور، وفي حماة، وفي حمص، وغيرها من المدن السورية المدمرة.
يتحدث إعلام النظام، وكأنه إعلام سويسري، أو سويدي، ولا يخجل من كل هذه الجرائم التي ارتكبها النظام وشبيحته، ويتناسى أنين ربع مليون معتقل في السجون السورية، ورفع أعلام إيران وروسيا وتسليم ثروات الفوسفات والبترول والموانئ في اتفاقيات تطول نصف قرن، وترهن موجودات الشعب السوري لهاتين الدولتين اللتين استثمرتا في بقاء الأسد وفي تدمير سوريا!