محاسبة السعودية
محمد رشدي شربجي
من ناحية الجوهر وبغض النظر عن البهرجات الإعلامية التي جعلت منه رجل ديمقراطية وليبرالية وسلام، لا يختلف أوباما في سياسته الخارجية عن خليفته ترامب، كلاهما يرى أن على حلفاء الولايات المتحدة (حلفاء هي كلمة دبلوماسية كبديل عن أتباع) أن يدفعوا المزيد من الأموال مقابل تكفل الولايات المتحدة بحمايتهم.
ينطبق هذا الكلام على الأوروبيين الذين ما فتئت الإدارات الأمريكية المتعاقبة تطالبهم بصرف 2% من ناتجهم القومي على الدفاع، كما ينطبق على الشرق الأوسط المنطقة الأكثر تأثرًا باحتكاكات القوى العظمى وتدافعها على المستوى الأعلى.
الفرق بين الرجلين هو في الطريقة أن ما يقوله أوباما في السر يقوله ترامب في العلن، وهذا فارق الشعبويين عن غيرهم بشكل عام، ولذلك هم أقرب للناس وهذا نقاش آخر.
هناك هوس عالمي اليوم بالحرب على الإرهاب، الإرهاب الذي يجب على كل رئيس معدوم الشعبية أو آيل للسقوط أن يشكره، ومنذ هجمات أيلول 2001، استطاعت الولايات المتحدة أن تفرض أجندتها في الحرب على الإرهاب على العالم حتى باتت أجندة كل دولة على حدة.
و”الإرهاب” المقصود عالميًا هو الذي يقتل مواطنين غربيين فقط، أما بقية أنواع الإرهاب فلها تصنيفات أخرى ولا داعي لتحالفات دولية لحربها.
وليس غريبًا، والحالة هذه، أن تكال الشتائم للمملكة من كل حدب وصوب، ليس لأنها دبرت انقلابًا عسكريًا قتل الآلاف في مصر، ودمر أحلام أمة كاملة في الانعتاق، ودفع مئات آلاف الشباب نحو التطرف، لا طبعًا، فهذا ما يشكر السعوديون عليه على ما يبدو، وإنما لأنها مصدر العقيدة السلفية ومصدر أموالها.
هناك توجه عالمي بدأ مع أوباما يتلخص في تحميل السعودية مسؤولية الخراب في المنطقة، فقانون “العدالة ضد رعاة الإرهاب”، المسمى إعلاميًا قانون محاكمة السعودية أُقر في عهد أوباما، وبالرغم مما قيل عن معارضة إدارة أوباما للقانون، إلا أنه أقر بتوافق الحزبين في النهاية. ومرة أخرى استهدف مجلس الشيوخ السعودية الأسبوع الماضي بسبب مقتل الخاشقجي.
وتحميل السعودية مسؤولية الخراب صحيح ولكنها تتحمل جزءًا من المسؤولية وليس كاملها، ومن يتابع الإعلام العالمي اليوم يرى آلاف الانتقادات للسعودية (مرة أخرى ليس بسبب دورها في مصر) بل لأدوارها في أماكن أخرى، خاصة في اليمن الذي تحول إلى مستنقع فشل آخر تغوص فيه أقدام المملكة، والعجيب أن الذين ينتقدون حرب اليمن الذي تخرج منه كل يوم صواريخ باليستية باتجاه المملكة هم أنفسهم الذين جاؤونا من وراء المحيطات لأن داعش يهدد “أمنهم القومي”.
ومقابل هذه الحملة على السعودية يسود في الإعلام الصمت إزاء الدور الإيراني في المنطقة، ومن الطريف أن الأوروبيين الذين يريدون معاقبة السعودية لقتلها جمال خاشقجي، هم أنفسهم يقفون بحزم ضد العقوبات الأمريكية على إيران التي هجرت شعوبًا بأكملها وقتلت مئات الآلاف، منهم عدة آلاف من الصحفيين بطبيعة الحال.
لا يجب أن يفهم من كلامي أنني مؤيد للسعودية بأي شكل من الأشكال، وما زلت أعتقد أنها “أحد” السيئين في المنطقة و”أغباهم” بطبيعة الحال، ولكن يجب التأكيد أن هذه الحملة على السعودية لا علاقة لها بحقوق الإنسان، وأن الشيطنة تخفي دائمًا ما وراءها، رأينا ذلك مع مرسي ثم مع أردوغان واليوم مع السعودية.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :