عنب بلدي – ريف حلب
يشهد ريف حلب الشمالي واقعًا استثماريًا جديدًا فرضته شركات تركية بدأت بالعمل على تنفيذ مشاريع في مختلف المجلات، بموجب اتفاقيات موقّعة مع المجالس المحلية التي تدير المنطقة، والتي تتلقى بدورها دعمًا من الجانب التركي.
وجاءت هذه المرحلة بعد خطوات وعمليات تأهيل متتالية نفذتها الحكومة التركية في ريف حلب الشمالي عقب السيطرة الكاملة عليه من قبل فصائل “الجيش الحر”، لتكون الاستثمارات الحالية استكمالًا لهذا الدور.
لم تقتصر الاستثمارات على منطقة أو مدينة دون غيرها، بل انسحبت على مناطق الريف الشمالي والشرقي، بينها مدينة جرابلس التي تشهد حاليًا تنفيذ مشروع مد نظام اتصالات حديث من قبل شركة “So Net” الخاصة، بعد توقيع اتفاقية مع المجلس المحلي.
ويعتبر المشروع الذي يجري تنفيذه الأول من نوعه في الشمال الخارج عن سيطرة النظام السوري، إذ يعتمد على نظام الألياف الضوئية، والذي يوفر الإنترنت بجودة وسرعة عالية وخدمات متنوعة.
تأسست شركة So Net” في ألمانيا، في كانون الثاني 2012، تحت شعار “زيادة ترخيص خدمات الإنترنت”.
وبحسب سجلها التعريفي عبر الموقع الرسمي، وصلت إلى تركيا من خلال الشركاء الإقليميين لأنشطة الإنترنت “MSP” بهدف استعمال الإنترنت بحرية وإنشاء مناطق اتصال في مناطق مختلفة من العالم، ولعبت دورًا مهمًا في خدمات الإنترنت الفردية والقطاع العام. أعضاء مجلس إدارة الشركة في ريف حلب هم نهاد جندي أوغلو، ولطفي بكمز، وزولفي كركوز المدير العام ضمن مناطق “درع الفرات”. |
إنترنت لأربع سنوات
بداية المشروع كانت منذ ستة أشهر بتوقيع مذكرة تفاهم بين الشركة التركية والمجلس المحلي لجرابلس، على أن يغطي نظام الاتصالات جميع مناطق المدينة، ليتم الانتقال فيما بعد إلى المدن الأخرى الواقعة في منطقة “درع الفرات”.
المدير التنفيذي والتقني لمشروع الاتصالات، المهندس أيمن حبيب، قال إن المشروع سيغطي كامل جرابلس، والتي تم تقسيمها إلى خمسة أقسام، ليسهل العمل على مد الشبكات للمنازل، ومن المتوقع أن تتجاوز كلفة المشروع ثلاثة ملايين ونصف المليون دولار حال الانتهاء منه.
وأضاف حبيب، وهو مهندس إلكترون، لعنب بلدي، “حاليًا تم استكمال التمديدات الرئيسية لكامل الأقسام، ومن ثم ستتفرع عنها التفريعات الثانوية وهي الكابلات الواصلة للبلوكات السكنية (كل بلوك يحتوي على عدة أبنية)”.
الفترة الزمنية التي سيغطيها المشروع للمدينة من ثلاث إلى أربع سنوات، وبحسب حبيب، يعتمد ذلك على العرض والطلب من قبل الأهالي.
وأوضح أن المشروع له عدة خدمات، بينها رفد جرابلس ببنية تحتية لأحدث أنظمة الاتصالات المعمول بها في الدول المتقدمة، وهي أنظمة الاتصالات التي تعتمد على كابلات الألياف الضوئية أو ما يعرف بـ “أوبتك فايبر”.
ومن ميزاته أيضًا تقديم خدمة الإنترنت السريع، الذي تتجاوز سرعته 100 ميغا بت في الثانية بشكل مبدئي، كما يستطيع النظام العمل على سرعات عالية تصل إلى 10 غيغا بت في الثانية.
ويعتمد أهالي ريف حلب بشكل أساسي حاليًا على الشبكات التركية التي يصل مداها إلى داخل الحدود السورية، أبرزها “تركسل”، “آفيا”، “فودافون”، والتي تعتبر من أساسيات التواصل بين المدنيين داخل المناطق من جهة، والربط مع باقي المحافظات والدول المجاورة من جهة أخرى.
ميزات إضافية
لا توفر الشبكات التركية المذكورة سابقًا جميع خدمات الإنترنت لسكان ريف حلب، وتقتصر الميزات الخاصة بها على الاتصال وتصفح الإنترنت، بينما يقدم مشروع جرابلس خدمات إضافية أبرزها السرعة العالية وتقديم خدمة القنوات الفضائية والاتصال الأرضي.
وقال مدير المشروع “من الميزات تقديم خدمة الصوت عبر الألياف الضوئية أو ما يعرف بالهاتف الأرضي الثابت، وأيضًا تقديم خدمة القنوات الفضائية عبر الإنترنت”.
وتمكّن القائمون على المشروع حتى اليوم من تنفيذ المرحلة الأولى منه وهي تفعيل الشبكة، وأشار حبيب، “حاليًا لدينا عدد من المشتركين لا بأس به، ونقوم بتوفير الخدمة لأي شخص ضمن جرابلس، كما تم رفد جميع الدوائر الخدمية والرسمية بهذه الخدمة كالمجلس المحلي والنفوس والقصر العدلي”.
فيما يخص الباقات والأسعار، أوضح حبيب أنه تمت دراستها بشكل يتناسب مع دخل الفرد ومدى احتياجاته.
وفي الوقت الحالي توجد باقتان للإنترنت، الأولى تصل سرعتها إلى 16 ميغا بت في الثانية بقيمة 13 دولارًا شهريًا، على أن يقوم المشترك بدفع قيمة 70 دولارًا لمرة واحدة تتضمن قيمة المودم المقدم من قبل الشركة، إضافة إلى رسوم التفعيل وتمديد الكابلات.
وأشار حبيب، “إذا أراد المشترك إنهاء الاشتراك وإرجاع المودم فإن قيمته المالية مرتجعة، وهي 50 دولارًا”.
الباقة الثانية تصل سرعتها إلى 24 ميغا بت في الثانية، ورسومها 220 دولارًا وهي عبارة عن رسوم مدفوعة سلفًا لمدة سنة كاملة، وعند نهاية السنة يعود سعر الباقة شهريًا إلى عشرة دولارات يدفعها المشترك بشكل دوري كل شهر.
ما هي الألياف الضوئية؟
الألياف الضوئية أو البصرية (Optical Fiber) هي ألياف شفافة مرنة مصنوعة من الزجاج النقي (السليكا) أو البلاستيك، بقطر أثخن قليلًا من قطر شعرة الإنسان.
وتستخدم في الاتصالات الضوئية البصرية، لما تتميز به من قدرة على البث لمسافات أبعد وبأمواج طولية أعلى (معدل نقل بيانات) من كابلات الأسلاك التقليدية.
وتستخدم الألياف عوضًا عن الأسلاك المعدنية لأن الإشارات تسافر فيها بأقل قدر من خطر فقدانها، كما أن الألياف محصنة ضد التداخلات الإلكترومغناطيسية التي تعاني منها الأسلاك المعدنية بشكل كبير.
وتعدّ الاتصالات أبرز استخدامات الألياف الضوئية، فهي وسيط فعال للاتصالات البعيدة وشبكات الحاسوب بسبب مرونتها وإمكانية تجميعها ككابلات، وهي مفيدة على وجه الخصوص في اتصالات المسافات الطويلة، لأن الضوء ينتشر من خلال الألياف بفقدان أقل للإشارة مقارنة مع الكابلات الكهربائية.
آلية محددة للاستفادة
بحسب مهندس مشروع جرابلس، بمجرد وصول الكبل الضوئي إلى منزل المشترك يستطيع فورًا الاستفادة من ثلاثة أمور، هي خدمة الإنترنت السريع والهاتف الأرضي وخدمة القنوات الفضائية عبر الإنترنت.
وقال إن الشركة الحالية هي تركية خاصة، تعمل في مجال الإنترنت منذ حوالي ثماني سنوات، وهي مرخصة أصولًا من قبل الحكومة التركية ومجازة من قبل هيئة الاتصالات التركية، وهي مرخصة حاليًا لتقديم خدمة الإنترنت ضمن مناطق “درع الفرات” كاملة.
وأضاف حبيب، “بدأنا في جرابلس وستكون الخدمة في بقية المدن كالباب واعزاز وقباسين والراعي ضمن اتفاقيات ومذكرات تفاهم مع المجالس المحلية”.
وتضم الشركة التركية في كوادرها موظفين سوريين وأتراك، لكن الخبراء المشرفين على تنفيذ المشروع أتراك كون النظام حديثًا.
وأشار حبيب إلى أنه “كلما توسعت الشركة ستزداد كوادر السوريين، وهي تعمل على تأهيل وتدريب الكوادر السورية للقيام بالمشروع مستقبلًا بشكل كامل، كما تقوم حاليًا بدراسة إنشاء شبكة هاتف خلوي ضمن مناطق درع الفرات”.
ومنذ مطلع العام 2018، دخلت ثلاث شركات خاصة باستثمارات شمالي حلب، كان آخرها شركة أوصلت الكهرباء إلى مدينة اعزاز، بعد انقطاع دام لسنوات، ويعتبر المشروع الذي نفذته الأكبر من نوعه في المنطقة، استنادًا إلى حاجة الأهالي في ريف حلب للكهرباء، إذ يعتمدون على المولدات حاليًا.
ولا يمكن فصل الواقع الاستثماري في ريف حلب عن ملف إعادة الإعمار في سوريا، والذي تحاول تركيا الدخول فيه من بوابة المدن والبلدات التي دمرتها المعارك ضد تنظيم “الدولة” على طول حدودها، وتسعى إلى تثبيت وجودها في المنطقة اقتصاديًا بمشاريع أعلنت عنها رسميًا، وأخرى بدأت تنفيذها شركات خاصة بآليات مختلفة.