دمشق – ماري العمر
مضت تسعة أشهر على سيطرة قوات الأسد على كامل مدن وبلدات الغوطة الشرقية بموجب اتفاق “التسوية”، لم تشهد فيها المنطقة أي تحرك “جدي” من قبل النظام السوري على صعيد الخدمات، سواء التي يحتاجها الأهالي بشكل يومي أو المرافق العامة والبنى التحتية، التي تضررت بشكل كبير جراء القصف الجوي.
من بين المنشآت المتضررة المدارس، التي تكرر إغلاقها في أثناء سيطرة المعارضة بسبب القصف اليومي، وتعاني اليوم من عدة مشاكل أبرزها غياب الكوادر التدريسية في الوقت الذي يتجهز فيه الطلاب للامتحانات.
عنب بلدي رصدت واقع المدارس في الغوطة من خلال الحديث مع أهالي عدد من الطلاب اشتكى جميعهم من نقص الكوادر واستبدالها، واعتبروا أن “المدارس ليست كسابق عهدها في المنطقة”.
محمد (اسم مستعار) مدرّس لغة عربية، قال لعنب بلدي إن نقص الكوادر التدريسية يأتي بسبب الضغط المفروض على العديد من المعلمين في الغوطة، موضحًا، “على المعلم الدوام في المدارس صيفًا وشتاء والخضوع لدورات تأهيلية للتدريب على كيفية إعطاء المناهج الجديدة، بالإضافة الى انخفاض الرواتب”.
وأضاف أن رواتب المدرّسين هي الأقل بين موظفي الدولة، “فالمعلم المثبت يتقاضى حوالي 40 ألف ليرة سورية شهريًا، ما دفع البعض من المعلمين إلى ترك عملهم التدريسي واللجوء إلى أعمال إدارية أو تجارية وصناعية”.
لجأ محمد إلى فتح صالة عرض إكسسوارات منزلية بعد بقائه في الغوطة، بحسب قوله، وأجبر على ترك مجال التعليم من أجل تحقيق دخل أعلى بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية في المنطقة.
وأشار إلى أسباب أخرى تقف وراء قلة الكوادر، بينها عزوف عدد من المعلمين عن التدريس بسبب الخدمة الإلزامية أو إدراج أسمائهم في قوائم الاحتياط.
كما أن غالبية المعلمين ومديري المدارس في الغوطة الذين عملوا سابقًا تحت إدارة “مديرية التربية والتعليم الحرة” طالهم الاعتقال والفصل، ومنع البعض منهم من التدريس بشكل نهائي.
يتطابق حديث المدرّس محمد مع ما تعرضت له الآنسة سميرة (اسم مستعار)، التي تم فصلها من وزارة التربية “بتهمة العمل مع الإرهابيين”.
وقالت لعنب بلدي إنها تعرضت للاعتقال لـ 15 يومًا من منزلها عقب سيطرة قوات الأسد على الغوطة، بعد أن كانت مديرة مدرسة ابتدائية في ظل الحصار.
أسلوب جديد في التعليم
خلال مراسلة عبر تطبيق “واتساب” مع معلم في الغوطة الشرقية يدعى “أبو علي”، قال إن وزارة التربية عملت على دمج المناهج للعديد من الطلاب الذين لم يستطيعوا متابعة دراستهم في ظل الحرب.
وأضاف أن ذلك يأتي بسبب نقص الكوادر وانقطاع الكثير من الطلاب عن التعليم خلال سنوات الحصار والقصف.
وبحسب المدرّس، وهو أستاذ مادة التربية الدينية في مدرسة إعدادية، فإن “مناهج طلاب المرحلة الابتدائية والإعدادية دمجت معًا، وأجرت الوزارة دورات مسرّعة للطلاب الذين بقوا في الغوطة الشرقية”.
وأوضح المدرّس طريقة تدريس المناهج، إذ “تقوم الوزارة بتدريسها لصفين متتاليين بشكل عام، ومن ثم يأخذ الطالب ما هو مهم بالنسبة للسنوات اللاحقة كاللغة العربية والرياضيات والعلوم، أي أنهم يركزون على القواعد الأساسية في كل مادة”.
وقال إن العملية السابقة تفضي إلى أن “الطلاب عوضًا عن دراستهم لصف معين يدرسون الصفين معًا لتفادي السنوات التي ضاعت منهم في الحرب”.
وإلى جانب ما سبق، هناك دورة مدتها شهران تكون في العطلة الصيفية، من أجل رفع مستوى الطلاب المنقطعين عن التعليم كي يتم ترفيعهم سنة إضافية، كالموجود في الصف السابع وبحسب عمره يجب أن يكون في الصف الثامن أو التاسع فيخضع لهذه الدورة لترفيعه سنة دراسية، بحسب المدرّس.
الأهالي عاجزون
لا يستطيع أهالي الطلاب تغيير الواقع المفروض على أبنائهم، فهم محصورون في الغوطة الشرقية ومن الصعب التسجيل في مدارس العاصمة، نظرًا لبعد المسافة والعراقيل التي تضعها حواجز النظام السوري.
“أم رضوان” لديها طفل في الصف الثامن، تقول لعنب بلدي إن الامتحانات على الأبواب، ولم يتلقَّ ابنها دروس اللغة الإنكليزية.
وأشارت إلى أن “الكارثة الكبرى أن الأسئلة تأتي من الوزارة فكيف على الطالب أن يجيب على الأسئلة وهو لم يأخذ أي درس في اللغة منذ بداية السنة”.
وكانت وزارة التربية حددت موعد الامتحانات في 16 من كانون الأول الحالي على أن تنتهي في 27 من الشهر ذاته.
نقص في الخريجين
إلى العاصمة دمشق، إذ عبّر طالب في مدرسة ابن زيدون الواقعة في منطقة المجتهد عن استيائه لعدم وجود معلمة رياضيات في الشعبة التي يدرس فيها، في أثناء الحديث مع والدته بوجوده.
وأوضحت الوالدة أن “التغيير المتكرر في الكوادر جعل الطلاب يشتكون من تفاوت طريقة الإعطاء”.
وترى المعلمة سوسن (اسم مستعار) أن نقص الكوادر لا يشمل الغوطة الشرقية، بل ينسحب على عدة مدارس في العاصمة دمشق.
وقالت لعنب بلدي، وهي مدرّسة لمادة العلوم، إن “وزارة التربية لم تخرّج أي دفعات جديدة من الدورات التأهيلية التي يخضع لها المدرّسون، الأمر الذي أسهم بتدني مستوى الطلاب بسبب النقص الموجود في أغلب المدارس وخاصة معلمي اللغتين الإنكليزية والفرنسية”.
وكانت صحيفة “الأيام” المحلية تطرقت، في أيلول الماضي، إلى مشكلة نقص الكوادر التدريسية في العاصمة دمشق وريفها، إضافةً إلى الأعداد الكبيرة للطلاب ضمن الشعبة الواحدة.
ونقلت عن مدير تربية ريف دمشق ماهر فرج، حينها، أن في ريف دمشق 106 مدارس خارجة عن الخدمة وتحتاج إلى إعادة إعمار بالكامل، و104 مدارس أخرى متضررة بشكل جزئي تم صيانة جزء منها، ويتم العمل على إعادة تأهيلها، مشيرًا إلى أن المديرية “تقوم حاليًا بإعداد كشوف لوضع خطة صيانة كاملة”.
استنادًا لما سبق، لم تقتصر مشكلة نقص الكوادر التدريسية على مدن وبلدات الغوطة الشرقية فقط بل انسحبت على العاصمة دمشق، لكن ما يزيد من معاناة الأولى الدمار الكبير الذي تعرضت له المدارس والنقص الكبير بالمستلزمات المدرسية، وخاصةً المقاعد وأماكن جلوس الطلاب، فضلًا عن سوء الواقع الخدمي والتغيير الكبير الذي حل بالمنطقة، والذي يرتبط بأسلوب التعليم من جهة، وحجم الدعم المقدم من جهة أخرى، والذي التزمت المنظمات الدولية بتقديمه في السنوات التي سبقت دخول قوات الأسد.