ضد الثورة.. الأسد والبعث الجديد

  • 2018/12/15
  • 12:00 م
مظاهرات تنادي بأهداف الثورة السورية في مدينة مارع بريف حلب الشمالي - 14 أيلول 2018 (عنب بلدي)

مظاهرات تنادي بأهداف الثورة السورية في مدينة مارع بريف حلب الشمالي - 14 أيلول 2018 (عنب بلدي)

لؤي حجار

لعل من أشهر ما قيل عن الثورات في علم السياسة إن الذين يرفضون الثورة السلمية إنما يعجلون بحتمية الثورة العنيفة، وهو ما جاء على لسان جون كينيدي، أكبر قادة دول العالم وأعظمها في عصره.

النظام السوري المتمرس في قمع الثورات وصاحب الخبرة فيها، عمد منذ ما يقارب الخمسة عقود على رسم وإنشاء الخطط الوقائية، وإلقاء الخطابات التخديرية تارة، والأمنية والتهديدية تارة أخرى، لمنع وقوع المحظور وهدم حائط “المقاومة والممانعة”، المشكل منذ حوالي ثلاثة عقود على أساس عرقي وطائفي لفتح الطريق أمام المد الإيراني لوضع قدم في المنطقة تحمي وجود طهران.

إلا أن شهادة الطب الحديث التي نالها دكتاتور سوريا (الحديثة المقاومة والممانعة) لم تكن كافية، إذ أخطأ عيار التخدير وأعطى جرعة زائدة سببت انفجار وغضب الشارع السوري، لأن التخدير العام (الخطابات والأمن الوطني) لم يعد يقنع شعب سوريا، الذي امتلأت بطونه حتى الحناجر بجميع أنواع الظلم والاضطهاد.

عمد النظام إلى ضربة استباقية تخويفية خشية تحول الغضب الشعبي إلى ثورة مسلحة، فحرق الاخضر واليابس بهذه الضربة إثر خروج ملايين المواطنين في تظاهرات مناهضة، وهذا رقم صغير بالمقارنة مع الأنظمة الدكتاتورية الأخرى.

فالدكتاتورية السورية تقضي بخروج 99.9% من الشعب في مظاهرات، لتعترف بوجود غضب شعبي وليس ثورة تغيير، أي أنه يجب أن تكون النسبة مماثلة لنتائج انتخابات تجديد البيعة، أما بقية النسبة فهم أعضاء الحكومة، وأعتقد أن هذا شيء بديهي في منظور الأنظمة الديكتاتورية العالمية وحلفائها.

وردًا على التظاهرات وحفاظًا على أمن الوطن، ولتجسيد نظرية المقاومة والممانعة التي يفتخر بها النظام وحلفاؤه، ولكي يثبت للجميع أنه أقوى الأنظمة الديكتاتورية في العالم، ضرب الشعب الأعزل وقمع الثورة بكل الوسائل، وهو “الثورجي” المقاوم والممانع الواقف بوجه الكيان الصهيوني، ولطالما تغنى بتحرير فلسطين واسترجاع القدس.

إلا أن وعي الشعب السوري فاق تصورات الديكتاتورية المحدثة، وبدأ ينادي بإسقاط النظام لاستكمال تحرير فلسطين، لأن تحرير فلسطين يبدأ من دمشق وليس من القدس ولا غزة ولا حيفا ولا “ما بعد بعد حيفا”، ليقابله النظام بشيطنة الثورات والشعوب، وكل من يقف في وجه مقاومته تحت مسمى “المؤامرة الكونية” على سوريا.

ولأول مرة منذ ما يقارب الخمسة عقود تتطور الصناعات العسكرية السورية في جيش المقاومة، وتصنع البراميل والذخائر على أيدي الضباط والعناصر، لقصف الشعب وإخماد “التوتر والغضب” وأد الفتنة التي يزعمها النظام. بدأ الحصار الألعن الذي شمل التهجير والتجويع والتهديد وكأن الحصار الخارجي مرهون بحصار داخلي يفرضه النظام وحلفاؤه.

ولأول مرة يخرق النظام نظرية “حق الاحتفاظ بالرد” التي لطالما هدد وخوف بها الكيان الصهيون، فكان الرد قاسيًا ومدمرًا على الشعب السوري، الذي دخل في جحيم القمع والقصف الممنهج والاعتقال التعسفي بحق الأبرياء وانتهاك الحريات وهدم المنازل والمدارس والمشافي وتدمير البنى التحتية، والربط بين الفكر الإرهابي التكفيري وبين الشعب السوري الثائر، فكلاهما واحد بالنسبة لديكتاتورية “التطوير والتحديث” وللنظام البعثي الجديد الذي تعيد روسيا وإيران صياغته، بعد أن اكتشفتا أن كذبة “للشعوب الحق في تقرير مصيرها”، التي لطالما سمعناها وتعلمناها وتغنينا بها على مقاعد المدارس، لم تعد تنطلي على ذلك الشعب المنفتح والعريق والمتجذر في التاريخ.

تحت شعار “إما الأسد أو نحرق البلد”، تحدى النظام الثائرين، وهو اعتراف صريح وجريء منه بشرعية الحراك الشعبي، وتأكيد على ديكتاتورية النظام والحزب.

وحتى لو كانت هذه الثورة “إرهابًا” كما يسميها النظام، فهذا يبقى إرهاب جماعات، كما يقول النظام ذاته، أما ما يقوم به النظام فهو إرهاب دولي وشتان بين هذا وذاك.

يحاول النظام اليوم أن يقنع الجيل الجديد بأن الثورات الحديثة ما هي إلا ثورات تكنولوجيا وفيس بوك

وإنترنت ووسائل تواصل اجتماعي، وليس ثورات على الأرض لتغيير الواقع إلى الأفضل، ولكن مما يعلمنا التاريخ فإن مصير الثورة والأسد واحد ولن يفرقهما الزمن، وهو النهاية، ومهما طالت أو قصرت ستنتهي الثورة وتنهي معها الديكتاتورية وحزب البعث الروسي- الإيراني.

فعندما تصبح الديكتاتورية حقيقة واقعية تصبح الثورة حقًا من الحقوق، ومصير الديكتاتورية إلى زوال.

مقالات متعلقة

قراء

المزيد من قراء