لا يُمكننا فصل قضية الأنفاق المشتعلة ديبلوماسياً ودولياً عن التطورات على الساحة السورية. السبب أن إسرائيل تعرف بالأنفاق بعد وقت ليس بالطويل من إعلان الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله عن خطة استهداف الجليل. ذلك أن التكنولوجيا المُستخدمة في اكتشاف الأنفاق ليست بالجديدة، إذ تملك اسرائيل الخبرات والقدرات المطلوبة لاكتشافها.
لذا من الضروري التمعن بالتوقيت الإسرائيلي لإعلان عملية الأنفاق. جاءت العملية بعد أيام على أول ضربة اسرائيلية لأهداف ايرانية في سوريا منذ اسقاط طائرة روسية في أيلول (سبتمبر) الماضية. ليس التوقيت هنا محض صدفة. قصفت مقاتلات إسرائيلية أهدافاً في جنوب سوريا وقرب دمشق دون أن تُطلق الدفاعات الجوية السورية صاروخها الروسي الجديد (أس 300).
وقرار عدم ضرب هذا الصاروخ ليس روسياً فحسب، بل سوريٌ أيضاً. في الماضي، ورغم التنسيق السابق بين روسيا وإسرائيل وعلم الأولى بالضربات الاسرائيلية، لم تتصرف الدفاعات الجوية السورية وكأنها معنية بالعلم والخبر. حتى أن الدفاعات الجوية السورية أسقطت مقاتلة اسرائيلية في شباط (فبراير) الماضي، رغم التنسيق الروسي-الإسرائيلي. المعادلة اليوم اختلفت. بات النظام السوري جزءاً من معادلة التنسيق الروسي-الإسرائيلي.
وفقاً لمصادر دبلوماسية متقاطعة، فُتحت قناة للتنسيق الأمني بين سوريا واسرائيل في اجتماعات عُقدت قبل أسابيع وبحضور روسي في باريس. المحادثات لا تتناول قضية الجولان المحتل، بما أنها خارج التداول في ظل المحاولات الإسرائيلية للحصول على اعتراف أميركي بسيطرتها على هذه المنطقة. سوريا اليوم لم تعد مهتمة حتى باستعادة الشمال السوري الذي صدّرت كل مقاتلي المعارضة والإسلاميين اليه، فما بالكم بالجولان أو لواء الإسكندرون. هذا النظام يُراكم الاحتلال تلو الآخر، ويُحوّل كل منها الى شعارات وقضايا تخدم هدفاً واحداً: استمرار سلالة آل الأسد في السلطة.
وللتنسيق السوري-الإسرائيلي انعكاسات على لبنان أيضاً. لا مشكلة لدى كل الأطراف في إعادة انتاج لبنان كـ”ساحة” صراع تخضع إلى ضوابط جديدة. ذلك أن سوريا لطالما رأت فُرصاً في أزمات لبنان وويلاته، حتى بات انتاج الأخيرة من مهمات النظام وأجهزته وأدواتهم على الساحة المحلية. ما تفعله سوريا في لبنان، بالتنسيق مع الجانب الروسي أو دونه، لم يعد متوافقاً تماماً مع “حزب الله”. لكن من الصعب تخيل افتراق كامل بين “حزب الله” والنظام، سيما أن الأخصام السياسيين ليسوا في المستوى المطلوب لتحقيق اختراق أو حتى استغلال هذا التباين. من السهل الجزم بعد 13 عاماً على 14 آذار 2005، أن هذه القوى تُمثل خطراً على نفسها قبل الآخرين.
التصعيد الإسرائيلي ضد لبنان يُؤشر أيضاً الى التراجع الإيراني والحزب اللهي في سوريا. بعد 7 سنوات على التدخل وضريبة الدم، لم تتقدم إيران بعيداً في سوريا. ليس النظام في جيبها بالتأكيد، بدليل التقارب السوري مع الأعداء العرب لطهران. ولا تملك إيران القدرة على تسديد لكمات لإسرائيل أو تهديدها من الأراضي السورية، بل بالعكس. إسرائيل قادرة اليوم على ضرب الإيرانيين وحلفائهم متى شاءت، وبالتنسيق مع أطراف فاعلة على الأرض.
وما تسرب من اللقاء بين رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في بروكسيل، وتحديداً طلب وقف الدعم الأميركي للجيش اللبناني، يأتي في هذا السياق. للإسرائيليين اليوم مصلحة في تسليم لبنان للنظام السوري والروس، للحد من النفوذ الإيراني. ويبدو أن هناك في المنطقة أكثر من دولة تؤيد هذا المنطق، وما علينا لمعرفة هويتها إلا تعداد السفارات التي ستفتح أبوابها العام المقبل في دمشق.