يكثر الحديث عن “اتفاق أضنة” قبيل انطلاق أي عملية عسكرية تركية في سوريا، وهي اتفاقية وقعت عليها سوريا وتركيا عام 1998.
وكفل “اتفاق أضنة” إعطاء تركيا حق “ملاحقة الإرهابيين” في الداخل السوري حتى عمق خمسة كيلومترات، و”اتخاذ التدابير الأمنية اللازمة إذا تعرض أمنها القومي للخطر”.
بالإضافة إلى احتفاظ تركيا بـ”حقها في ممارسة حقها الطبيعي في الدفاع عن النفس”، وفي المطالبة بـ”تعويض عادل” عن خسائرها في الأرواح والممتلكات، إذا لم توقف سوريا دعمها للحزب الكردستاني “فورًا”، وهذه أبرز مضامين الاتفاق الموقع عام 1998.
وشكل دعم سوريا لـ “حزب العمال الكردستاني” (PKK) عاملًا كبيرًا في توتر العلاقات بين سوريا وتركيا، التي وصلتها ذروتها في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، إلى جانب توتر حول قضايا الحدود والمياه المختلف عليها، منذ نهاية الحرب العالمية الأولى وترسيم حدود سايكس بيكو.
وترى تركيا أن مقاتلي “وحدات حماية الشعب” (YPG) الموجودين في سوريا امتداد لـ”حزب العمال الكردستاني (PKK)، التي تصنفه تركيا كـ “منظمة إرهابية”، رغم نفي “الوحدات” تبعيتها لـ “العمال”.
“غصن الزيتون” على مقاس “اتفاق أضنة”
تبرر تركيا عمليات العسكرية في سوريا ضمن حماية حدودها وحفاظها على أمنها القومي من الجماعات التي تصنفهم أنقرة “كجماعات إرهابية”، حيث تستند إلى “اتفاق أضنة” من جهة، إضافة إلى الاستناد على “المادة 51” من ميثاق الأمم المتحدة القاضي بحق الدفاع عن النفس.
تظهر مراحل عملية “غصن الزيتون”، التي أطلقتها تركيا في 20 كانون الثاني لعام 2018، تطبيق تركيا “لاتفاق أضنة” رغم سيطرتها لمسافة امتدت إلى 50 كيلومترًا في عمق الأراضي السورية من الحدود التركية، في حين أن مضمون “أضنة” يتيح لها التوغل نحو خمسة كيلومترات فقط.
اعتمدت عملية “غصن الزيتون” خلال مراحلها الأولى على التمهيد الجوي والمدفعي للجيش التركي قبل أن تتجه الآليات والمدرعات التركية نحو الداخل السوري، من أجل تأمين المناطق الحدودية عبر عدة محاور وهدفها مدينة عفرين.
وتظهر سيطرة الجيش التركي على بلدات بلبل وراجو والشيخ حديد وجندريس، وهي بلدات تقع في عمق الأراضي السوري مسافة خمسة كيلومترات من الحدود التركية، ما يظهر العملية التركية في إطار “اتفاقية اضنة”.
فيما اعتمدت تركيا في توسعة رقعة سيطرة “غصن الزيتون” على مقاتلي المعارضة خلال العمليات البرية، وهو ما حقق زيادة مساحة نفوذ السيطرة التركية لنحو 50 كيلومترًا داخل العمق السوري، لتعلن تركيا لاحقًا انتهاء عملياتها العسكرية وانسحاب قواتها الهجومية بعد ما قالت إن العملية حققت أهدافها في طرد المقاتلين الكرد، وإنشاء منطقة آمنة للسوريين على حدودها.
تركيا مجددًا.. “منطقة العازلة” شرق الفرات
يستعد مقاتلو “الجيش الحر” لخوض عملية عسكرية شرق الفرات، والتي أعلنت تركيا عن شنها في غضون أيام، وذلك من خلال 14 ألف مقاتل أعدتهم تركيا لبدء العمليات العسكرية على غرار عمليتي “درع الفرات” وعملية “غصن الزيتون”، اللتين استهدفتا تنظيم “الدولة الإسلامية” ومقاتلي “وحدات الحماية” من قرى وبلدات حدودية مع سوريا.
وقالت صحيفة “يني شفق” التركية إن العملية العسكرية في شرق الفرات ستكون على طول 100 كيلومتر على الشريط الحدودي التركي مع سوريا، وهي المسافة التي تبعد بين رأس العين في شمال مدينة الحسكة ومدينة تل أبيض شمال الرقة.
وتظهر أبعاد المعركة الجغرافية والتجهيزات العسكرية التي تعدها تركيا، عودة ما كانت تطالب به عن ضرورة إنشاء منطقة عازلة قبل أكثر من خمسة أعوام، كما وضعت أنقرة ذلك ضمن شروط “تكثيف مشاركتها في التحالف الدولي لمحاربة داعش”.
وكانت حدود “المنطقة العازلة” التي تطمح تركيا إلى إنشائها في ذلك الوقت على عمق 30 كيلومترًا من الحدود التركية وبطول 100 كيلو متر توازي الحدود التركية- السورية، تأمنها قوى عسكرية قوامها نحو 18 ألف مقاتل.
إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية، في إطار كبح جهود تركيا في تحقيق مرادها “بمنطقة عازلة” تحمي حدودها، قامت بإنشاء نقاط مراقبة في شمال سوريا بالقرب من الحدود مع تركيا في ظل الاستعدادت التركية لبدء معركة ضد مقاتلي حزب الاتحاد الديمقراطي.
وأثار ذلك حفيظة تركيا، ما دفع وزير الدفاع التركي، خلوصي آكار، إلى تحذير الولايات المتحدة من تعقيد الوضع في المنطقة، والمطالبة بإزالة تلك النقاط التي ترى فيها تركيا حماية “لمنظمة إرهابية”.
وتتوزع نقاط المراقبة على ثلاثة في منطقة تل أبيض، ونقطتين في عين العرب (كوباني)، وقد أظهرت صور لإحدى النقاط الموجودة قرب تل أبيض، والتي تبعد مسافة كيلومترين عن الحدود التركية، والتي ستشكل عائقًا أمام الهجوم التركي وزجها لفصائل من المعارضة.