العهد السوري.. تطبيب الأجساد والأرواح

  • 2018/12/09
  • 2:03 ص
منصور العمري

منصور العمري

منصور العمري

يفقد السوريون الأمل بالمجتمع الدولي بغالبه، باستثناء بعض الأصوات من المنظمات الحقوقية الدولية التي تشكل ورقة التوت الأخيرة. لم يرقَ أي موقف أو قرار دولي إلى مستوى الفعل أو التحرك إزاء الجرائم الكبرى في سوريا، لوقفها أو حتى بدء محاسبة حقيقية لمرتكبيها.

مرّ السوريون بعدة مراحل في علاقتهم مع المجتمع الدولي، النداء، تكرار النداء، الصدمة، الغضب، الألم، اللوم، ثم تقبل الوضع السيئ وفقدان الأمل كليًا، ثم المرحلة الأخيرة وهي انتقال عملهم في المناصرة ليشمل الدفاع عن الحقوق والمبادئ الإنسانية أكثر ممن يتغنى بها ليل نهار.

يعاهد هؤلاء السوريون العالم أنهم لن يسامحوا نظام الأسد على جرائمه بحقهم وبحق شعبهم، وأنهم سيستمرون في العمل من أجل الوصول إلى العدالة مهما كانت المعوقات والضغوط، والرؤى الصحفية والسياسية والأممية لإعادة الأمن في سوريا، وبدء الإعمار والاستثمار، فلا سلام أو تعايش حقيقي بلا عدالة.

لن يعترف السوريون ببشار الأسد رئيسًا مرة أخرى، بعد أن فرضته عليهم دول ودعمته في وراثته لرئاسة سوريا بتعديل مرسوم وتصويت مجلس شعب غير منتخب من الشعب، ثم ارتكب فيهم المجازر على مرأى من العالم الذي لم يحرك ساكنًا لإنقاذهم.

لن يعود السوريون اللاجئون قسرًا إلى سوريا طالما بقي الأسد رئيسًا ونظامه حاكمًا، حتى لو صنفت الأمم المتحدة سوريا الأسد على أنها آمنة.

لن يتواطأ السوريون مع أي دولة أوروبية أو غيرها في إعادة تأهيل الأسد، الذي قتل وشرد ملايين المدنيين.

الأسد قاتل 30 ألف طفل، و30 ألف امرأة، ومئات آلاف المدنيين بالقصف والكيماوي وتحت التعذيب والتجويع.

الأسد قائد عصابة مجرمة انتهكت كل حرمات السوريين، وارتكبت أبشع الجرائم بما فيها اغتصاب النساء والرجال والأطفال، بتوثيق الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية الدولية.

لن ينسى السوريون مئات آلاف الشهداء ممن قتلهم الأسد لدفاعهم عن أنفسهم وعن عائلاتهم وأعراضهم. لن تنسى الأمهات صرخات أبنائهن المعتقلين تحت سياط الجلادين في أفرع المخابرات وأجهزة الدولة.

لن ينسى الأخ والأخت والأب والأم صرخات بناتهم وهن يغتصبن في مؤسسات الدولة الوطنية.

لن ينسى الأطفال من يتّمهم وقتل آباءهم وأمهاتم، وأن الأسد بنى المحارق، لإخفاء جثث شهداء التعذيب والإعدامات غير القانونية.

نعدك أيها المجتمع الدولي أنا لن نتواطأ معك في إعادة تأهيل الأسد، وأنا لن نتراجع قيد أنملة عن مطلبنا بتحقيق العدالة، وعلى رأسها محاكمة بشار الأسد.

لن نقبل بردم مظلومية الشعب السوري تحت أقدام ممحوني إعادة الإعمار والاستثمار، ولن نشارك في سقاية بذور فناء المجتمع السوري وإنشاء ديكتاتورية جديدة في سوريا، بتسليمها لمجرميها، ونسيان ضحاياها.

استطاع السوريين مع شركائهم من الحقوقيين والمخلصين الأوروبيين لحقوق الإنسان، التوصل إلى إدانة مجرمي حرب وهم على رأس عملهم الإجرامي، وأوصلوا صوتهم لكثير من مراكز القرار العالمي، وأثبت الناشطون الإعلاميون أنهم رأس الحربة والأشد تأثيرًا في نقل الخبر إلى الصحافة الدولية بما فيها أكبر صحف العالم ومحطاتها التلفزيونية.

قد يكون عملنا اليوم هو تطبيب لأجسادنا التي أثخنها نظام الأسد بجميع أنواع الأسلحة العشوائية والمحرمة بعد اندلاع الثورة داخل سوريا، لكنا نعاهدكم أنا سنحول هذا العمل إلى ثورة إنسانية دولية لن تخمد طالما بقي أحد منا على قيد الحياة.

إن لم تكن كتب التاريخ تعني شيئًا لدول هذا العالم، فالسوريون يهتمون بها ويعدون أن يسجلوا أسماءهم بفخر في تاريخ الإنسانية، لا في عار التنازل عن المبادئ والمواثيق الإنسانية. ولن يضعوا أيديهم بيد أثخنت في القتل والإجرام بحق البشرية لو صافحتها كل أيدي العالم.

أما بالنسبة لداعش والمتطرفين فلا خلاف بيننا على ضرورة إنهاء وجودهم.

هذا العهد هو تعبير عن نبض السوريين منظمات وأفراد، الذين ناقشت معهم مواقفهم ومطالبهم، ورأيت عملهم وتضحياتهم وتفانيهم، بمن فيهم الضحايا وأهاليهم، والمدافعون عن حقوق الإنسان، والمحامون الحقوقيون، وساكنو المخيمات، وآخرون خسروا حياتهم تحت التعذيب، أو القصف أو الاغتيال، خلال سنوات من عملي في توثيق شهادات الضحايا، ومناصرة حقوق الإنسان في سوريا. هذا العهد هو تعبير عن تمسكهم بمبادئ الإنسانية والمواثيق الدولية حتى لو ساوم عليها أو تخلى عنها المجتمع الدولي.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي