من الأردن إلى تركيا .. طريق نجاة السوريين محفوفةٌ بالموت
لم يكن في حسبان أم عبدالله (48 عامًا) أن قرار زوجها بترك الأردن والهروب إلى تركيا عبر الصحراء السورية، للقاء ابنها البكر الذي لم تره منذ عامين، سيكون من أخطر القرارات التي ستتخذها في حياتها.
- نزوحٌ مركب
بعد أن نزحت العائلة من داريا في كانون الثاني 2012 متنقلة بين مدن الغوطة الغربية، وبسبب الوضع الأمني الذي كان يزداد سوءًا يومًا بعد يوم، قرر الابن البكر الخروج إلى مصر للعمل وإعالة أسرته والهروب من شبح الاعتقال أو سحبه للخدمة الإلزامية في صفوف الأسد.
في هذه الأثناء قررت العائلة اللجوء إلى الأردن نظرًا لاستمرار القصف الذي طال مناطق نزوحهم وسوء وضعهم المعيشي، وحسم عبد الله أمره للحاق بالعائلة، إلا أن الأردن رفضت إدخاله ومنعته السلطات المصرية من العودة ليمضي أسبوعين ما بين سجن مطار الأردن وسجن مطار الإسكندرية إلى أن قرر في النهاية العودة إلى لبنان ومنها إلى سوريا.
في دمشق «التي تحولت إلى زنزانة كبيرة» لا مكان يذهب إليه عبد الله ولم يجد عملًا يعيش منه، فقرر الهروب إلى الأردن عبر درعا للقاء عائلته والعمل، ورغم خطورة الطريق ووعورته وصل أخيرًا، إلا أنه طرد بعد عدة أيام فقط حين داهمت الشرطة الأردنية مكان عمله وقذفته خارج البلاد بسبب القوانين التي تمنع عمل السوريين في المملكة، ليمضي أيامه في درعا متنقلًا بين مكان وآخر.
عام ونصف مضى على عبد الله في درعا قبل أن يقرر والده السفر إلى تركيا للعيش مع ابنه ولمّ شمل العائلة.
- رحلة الموت
مخيفة هي القصص والمصاعب التي سمعتها عن الطريق لكن «من سمع ليس كمن رأى” كما تقول أم عبد الله، التي تروي قصة الوصول إلى تركيا بعد قرار العائلة بالتواصل مع مهربين عبر الصحراء السورية مرورًا بالرقة شمالًا وانتهاءً بالحدود التركية.
تقول أم عبد الله: «حزمنا القليل من الملابس لأنهم أخبرونا أن الطريق شاق وهناك مسير طويل على الأقدام، لم أكن أتخيل أن الطريق سيكون على ما كان عليه».
وكان على العائلة تسلق الصخور وعبور الصحراء والسير لعدة أيام على الأقدام والنوم في العراء أو في حافلات نقل الأبقار والأغنام، إضافة إلى دفع مبالغ مالية كبيرة عن كل خطوة يقدمون عليها، لـ «تجار التهريب الذين يحاولون جمع ثروة كبيرة من آلام الهاربين من ويل القصف وشبح الاعتقال».
وتتابع: «كنت برفقة زوجي وابني وابنتَيّ؛ إحداهن زوجة شهيد ولديها طفلة لم تتجاوز الرابعة من العمر».
أما سامية (23 عامًا) وهي البنت البكر للعائلة فتردف «مررنا بطريق يطاله القصف بشكل جنوني وكان على السيارة التي تقلنا اجتياز الشارع في مدة قياسية، لكنها تعطلت بداية الطريق، أغمضت عيني وضممت ابنتي الوحيدة واستعددت للموت، إلا أن ألطاف الله شاءت أن تسير السيارة وتجتاز الطريق؛ حينها أحسست أنني ولدت من جديد».
- “تيه” الصحارى
ويستعين اللاجئون بالبدو الذين يتتبعون النجوم كدليل لهم في الصحراء؛ يقول عبد الله «فقدنا أثرهم عدة مرات وأيقنا أننا ميتون هناك إلا أننا وجدناهم في طريقهم إلينا”.
وينقل أحد المسافرين أن البدو يقابلون المسافرين في الطرق الصحراوية بطريقة لائقة، حيث يحاولون تقديم الطعام والماء، لكنه يلفت أن ضائقتهم المادية أثرت في ذلك أيضًا حيث يقتصرون على تقديم قليل من البرغل والرز أو البطاطا.
وقبيل الوصول إلى الحدود التركية، أقلت العائلة آخر سيارة داخل سوريا وأنزلتهم في طريق طيني، كان عليهم اجتيازه وهم يحملون حقائبهم والطفلة الصغيرة ويتفادون القصف ورصاص الجندرمة التركية.
- واستقبال الجندرمة
تقول أم عبد الله «غرقنا في الطين حتى منتصف ظهورنا، أضعنا أحذيتنا واضطررنا لإكمال المسير حفاة، وصلنا الحدود وهناك اعتقلتنا الجندرمة التركية، احتجزونا مدة لا بأس بها تحت تهديد أحد العناصر بقتل زوجي إن تفوهنا بكلمة، ثم أخرجونا وأعادونا إلى الحدود».
تابعت العائلة الدخول مرة ثانية برفقة بعض الشباب السوريين الذين حملوا الفتاة الصغيرة إلى أن تاهوا عن بعضهم فترة وجيزة، وتقول سامية: «شعرت بالموت يتسلل إلى قلبي فقدت ابنتي بعد أن فقدت أباها منذ عدة أشهر، بكيت كثيرًا وانهارت قواي”.
وبعد ساعات اجتمع الفريقان مجددًا وعادت البنت الصغيرة إلى أمها، التي تعتبر أن هذه الساعات كانت من أصعب ساعات الرحلة وأشقها.
عدة محاولات مكنت العائلة أخيرًا من عبور الحدود بلا أحذية، منهكي القوى، بلا مالٍ وبلا حقائب، استقلوا سيارة توصلهم إلى منزل أحد معارفهم في عنتاب التركية، تاركين وراءهم ذكريات رافقتهم خلال الرحلة وحفرت في مخيلتهم إلى الأبد، ووطنًا أصبح فيه الموت عادة وبأساليب لا تحصى.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :