د. أكرم خولاني
قد تصيب معظم المتلازمات الخلقية الناتجة عن اضطرابات صبغية الذكور والإناث، لكن متلازمة كلاينفلتر لا تصيب سوى الذكور، ورغم أنها ولادية، لا تشخص سوى في حالات قليلة خلال الطفولة، بينما يتأخر تشخيص معظم الحالات إلى ما بعد البلوغ، وربما إلى ما بعد الزواج، ومع أن هذه المتلازمة شائعة إلا أن القليل من الناس يعرفونها، لذلك لا بد لنا أن نعرّف بها وبتظاهراتها ومضاعفاتها وأهم طرق علاجها.
ما هي متلازمة كلاينفلتر
هي مجموعة من الأعراض التي تظهر لدى الذكور نتيجة حدوث اضطراب صبغي لديهم في أثناء الحياة الجنينية، حيث يولد الطفل مع وجود 47 صبغيًا أو أكثر في خلاياه بدلًا من 46 صبغيًا في الحالة الطبيعية، وتكون الزيادة في الصبغي الجنسي X، فيكون لدى الإنسان المصاب على الأقل اثنان من الصبغي X وصبغي Y واحد على الأقل، وتنتج عن ذلك مجموعة متنوعة من الاختلافات الجسدية والسلوكية، وعلى الرغم من تباين شدتها فإن الكثير من الأولاد والرجال الذين يعانون من هذه الحالة لا يكتشف لديهم إلا القليل من الأعراض.
وتعتبر متلازمة كلاينفلتر من الاضطرابات الصبغية الشائعة بين الذكور، فهي تصيب 1 من كل 1000 ذكر، وقد سميت بمتلازمة كلاينفلتر نسبة إلى الطبيب الأمريكي هاري كلاينفلتر الذي وصفها لأول مرة عام 1942.
كيف تحدث الإصابة بمتلازمة كلاينفلتر؟
عند حدوث عملية انقسام البويضات في الأنثى قد يحدث عدم انتظام في توزيع الصبغيات نتيجة التصاق صبغيات X ببعضها، ما ينتج عنه بويضات تركيبها (22+XX) وأخرى (22+0)، فينتج عن تلقيح الأولى في الرحم بحيوان منوي تركيبه (22+Y) ذكر كلاينفلتر (44+XXY).
كذلك قد يحدث الخطأ الصبغي في أثناء تشكل الحيوان المنوي فيكون لديه (22+XY)، وعند إلقاحه لبويضة (22+X) ينتج ذكر كلاينفلتر (44+XXY).
وتعتبر حالة ذكر كلاينفلتر (44+XXY) هي الحالة الكلاسيكية للإصابة، ولكن في حالات نادرة قد يكون هناك أكثر من نسخة إضافية من الصبغي الجنسي X، فتكون الصيغة الصبغية (44+XXXY) أو (44+XXXXY).
ما أسباب الإصابة بمتلازمة كلاينفلتر؟
لا تعد متلازمة كلاينفلتر من الحالات المرضية الموروثة، ولكن ينشأ الصبغي الجنسي الإضافي نتيجة خطأ عشوائي في أثناء تكون البويضة أو الحيوان المنوي، ولا يعرف أي سبب يزيد من احتمال حدوث الخطأ الصبغي، لكن كبر عمر الأم عند الإنجاب قد يزيد من احتمال الإصابة بشكل طفيف.
ما أعراض وعلامات الإصابة بمتلازمة كلاينفلتر؟
يؤدي وجود صبغي أو صبغيات جنسية إضافية X إلى اختلال في توازن هرمونات الجسم، وهذا تنتج عنه مجموعة من الأعراض والعلامات، وتختلف هذه الأعراض والعلامات باختلاف العمر:
- الرضع: ضعف العضلات، بطء التطور الحركي، حيث يستغرق الطفل وقتًا أطول من الطبيعي للجلوس والزحف والمشي، تأخر النطق، مشكلات عند الولادة، مثل عدم نزول الخصيتين في كيس الصفن، شخصية سلبية وضعيفة.
- الأطفال والمراهقون: طول القامة أكثر من المعتاد، طول الساقين وقصر الجذع واتساع الوركين مقارنةً بالأولاد الآخرين، غياب أو تأخر أو عدم اكتمال البلوغ، وبعد البلوغ يكون الجسم أقل كتلة عضلية، كما يكون شعر الجسم والوجه أقل مقارنة بالمراهقين الآخرين، مع صغر الخصيتين، وصغر حجم القضيب، وتضخم أنسجة الثدي (التثدي)، وانخفاض الكتلة العظمية، وتوزيع أنثوي للدهن في الجسم، وقلة النشاط، والخجل، وصعوبة التعبير عن المشاعر أو الاختلاط بالناس والتفاعل معهم، ومشكلات في القراءة أو الكتابة أو الهجاء أو الرياضيات، ومشاكل بالانتباه.
- الرجال: صغر الخصيتين والقضيب، طول القامة أكثر من المعتاد، ضعف العظام، نقص نمو الشعر في الوجه والجسم، تضخم نسيج الثدي، مستوى منخفض من هرمون التستوستيرون في الدم ومستوى مرتفع من الهرمون موجهة الغدد التناسلية (FSH) و (LH)، العقم وضعف الرغبة الجنسية، وهي من أبرز المشاكل التي يعاني منها المصابون.
ولا يعاني جميع الأشخاص المصابين من هذه العلامات والأعراض، حيث يكون التأثير أقل حدة بشكل عام عند الحديث عن النموذج الكلاسيكي للمتلازمة، أما عند وجود أكثر من صبغي X إضافي فيكون التعبير السريري عن المرض أكثر خطورة، وتترافق مع التخلف العقلي الشديد بشكل عام.
ما المضاعفات التي يمكن أن تنتج عن متلازمة كلاينفلتر؟
- زيادة خطر الإصابة بدوالي الساقين وغيرها من مشكلات الأوعية الدموية.
- زيادة خطر الإصابة بسرطان الثدي، وأورام الخلايا الجنسية، وسرطانات الدم، أو نخاع العظام، أو سرطان الغدد الليمفاوية.
- زيادة خطر الإصابة بأمراض الرئة.
- زيادة خطر الإصابة بتدلي الصمام التاجي.
- زيادة خطر الإصابة باضطرابات المناعة الذاتية، مثل داء السكري من النوع الأول والذئبة والتهاب المفاصل الرثواني.
كيف يتم تشخيص الإصابة بمتلازمة كلاينفلتر؟
إذا بدا أن الطفل ينمو أبطأ من الآخرين، وظهرت عليه علامات جسدية مثل التثدي وصغر حجم الأعضاء التناسلية وصغر وتماسك الخصيتين، فقد يشتبه الطبيب بالإصابة بكلاينفلتر، ولكن لا تشخص الحالة في كثير من الأحيان إلا عند دراسة سبب العقم عند الرجل، وتشمل الفحوصات الرئيسية المستخدمة للتشخيص:
- اختبارات الهرمونات الجنسية: يمكن أن تكشف عينات الدم أو البول عن أي اضطراب في مستويات الهرمونات، وهو ما يعد علامة لمتلازمة كلاينفلتر.
- تحليل الصبغيات (فحص النمط النووي – Karyotype): ويعتبر هذا الاختبار هو المؤكد للتشخيص، ويجرى على عينة دم صغيرة تؤخذ من المريض ثم يتم فصل خلايا الدم البيضاء من العينة، وخلطها مع وسط زراعة الأنسجة، ووضعها في الحضانة، والتحقق من شذوذ الصبغيات، مثل الصبغي X الإضافي.
هل يمكن تشخيص إصابة الجنين في أثناء الحمل؟
نعم يمكن في بعض الأحيان تشخيص الإصابة خلال فترة الحمل عبر أخذ عينات من الزغابات المشيمية للأم، أو أخذ عينات من السائل الأمينوسي، والتي تحتوي غالبا على خلايا تعود إلى الجنين، وإجراء فحص النمط النووي عليها، ويتم ذلك عادة عندما يكون عمر الحامل فوق الخامسة والثلاثين أو يكون لديها تاريخ عائلي من الإصابة بالأمراض الوراثية.
كيف تعالج الإصابة بمتلازمة كلاينفلتر؟
على الرغم من عدم وجود طريقة لإصلاح التغيرات الصبغية المسببة لمتلازمة كلاينفلتر، إلا أن العلاجات قد تساعد في تقليل تأثيرات المشكلة، وكلما تم التشخيص وبدأ العلاج في وقت مبكر، كانت الاستفادة أكبر، ويشمل العلاج:
علاج التظاهرات الجسدية:
إعطاء بدائل هرمون التستستيرون: يُعطى التستوستيرون في صورة حقن أو على هيئة هلام أو لصاقات توضع على البشرة، ويتم البدء في إعطائها في الفترة المعتادة لبداية البلوغ، ويتيح ذلك لليافع أن يمر بالتغيرات الجسدية التي عادة ما تحدث خلال مرحلة البلوغ، مثل خشونة الصوت ونمو شعر الوجه والجسم وزيادة الكتلة العضلية وزيادة حجم القضيب وظهور العلامات الذكورية وتخفيف القلق والاكتئاب، كما يمكن أن يحسن العلاج بالتستوستيرون كثافة العظام ويقلل خطر الإصابة بالكسور، ولكنه لن يؤدي إلى كبر حجم الخصية أو يحسن العقم.
استئصال نسيج الثدي: يلجأ بعض الاختصاصيين إلى جراحة استئصال الثدي بإزالته أو تصغير حجمه، هذه العملية تقلل من فرصة حدوث سرطان الثدي.
علاج النطق والتعلم:
من خلال الأنشطة والتمارين التي تحث على بناء المهارات الحركية وتحسين السيطرة على العضلات، التوازن، ووضعية الجسم، وكذلك بناء المهارات اللازمة للحياة اليومية مثل التفاعل، والمحادثة، واللعب والمهارات الوظيفية.
الدعم النفسي:
عن طريق تشجيع الطفل المصاب على المشاركة في الرياضات والأنشطة البدنية التي ستساعد في بناء قوته العضلية ومهاراته الحركية، وتشجيعه من قبل الأهل على أن يكون مستقلًا، وتوفير بيئة منزلية تزخر بالكثير من التعليقات الإيجابية والتشجيع، والتعاون عن قرب بين الأهل والمدرسة، إذ يمكن للمدرسين، والمرشدين المدرسيين، والمدراء الذين يتفهمون احتياجات الطفل إحداث فارق كبير.
علاج العقم:
لا يمكن لمعظم الرجال المصابين الإنجاب، وذلك بسبب عدم إنتاج الخصيتين للسائل المنوي، أو بسبب انخفاض عدد الحيوانات المنوية، لذلك هناك احتمالية ضعيفة لحصول الحمل من ذكر مصاب بمتلازمة كلاينفلتر بشكل طبيعي، ولكن أتاحت تكنولوجيا الإنجاب المساعدة في علاج بعض حالات العقم، وأهمها التلقيح الصناعي باستخراج الحيوانات المنوية من الخصية ثم حقنها داخل هيولي البويضة.