من وحي ليبرتادوريس
عقلانية في رادس وغضب في بيونس آيرس ومكاسب في مدريد
عروة قنواتي
أيام تفصلنا عن اللقاء التاريخي مجددًا في إياب نهائي كأس كوبا ليبرتادوريس بين عملاقي الكرة الأرجنتينية، ريفربليت وبوكا جونيورز، اللقاء الذي نال شهرة التسمية الأعظم “نهائي القرن” أو “نهائي الجحيم”، كونه اللقاء الأول في تاريخ الناديين الغريمين لأول مرة في نهائي قارة أمريكيا الجنوبية.
أيام عصيبة أيضًا مرت على هذا الحدث الكروي المهم .. لكن لماذا يعتبر مهمًا؟
لأن جيلًا جديدًا عاشقًا للكرة العالمية، نشأ وتابع كرة القدم وشجع وتعصب وتحزب ولا يعرف أي شيء عن الناديين وعن أسمائهما الذهبية العريقة قديمًا وحديثًا، لأن المتعارف عليه في كرة أمريكا الجنوبية من خشونة ورجولة وعنف في الملاعب والمدرجات وخارجها، غطت عليه البورصة الكروية الأوروبية منذ سنوات طويلة واستحوذت على العناوين العريضة والصحف والمواقع والنقل الفضائي، لامتلاكها أسماء النجوم وأعرق الأندية والفرق، وهذا الفرق طبيعي.
ليعود هذا الحدث الكروي ويذكر أبناء التشجيع الكلاسيكي القديم في الثمانينيات والتسعينيات بأن يتجهزوا للمتابعة الشيقة، وينبه أبناء الجيل الجديد بضرورة اكتشاف المنافسة الغائبة عن أذهانهم وأخد قسط من الراحة في حسابات المشاهدة والتشجيع الأوروبي.
أما عن النهائي وأحداثه ووصفها بـ”العصيبة”، فلأنها بكل برودة أعصاب لم تخيب الظن في الضجة والرعب والأهمية، فمن التأجيل الأول للقاء الذهاب بمشيئة ربانية بسبب العواصف والرياح والأمطار في لابومبونيرا (معقل نادي بوكاجونيورز)، إلى الاعتداء على حافلة بوكا جونيورز حينما كانت متوجهة إلى ملعب نادي ريفير بليت، والإصابات التي لحقت باللاعبين والجماهير ومن ثم الاشتباكات التي دارت بين شرطة بيونيس آيرس والجماهير وعصابات التخريب، كما وصفها وزير الداخلية الأرجنيتيي، قبل إعلان استقالته من منصبه على وقع الأحداث المؤسفة.
كان التأجيل في بادئ الأمر لساعات ثم ليوم كامل ثم حتى إشعار آخر، وهذا ما قرره اتحاد الكرة في القارة الأمريكية الجنوبية (كونيمبول)، مع التوعد بالعقوبات للمتسبب ولمطلق شرارة العنف الرياضي يوم المباراة.
واليوم ترحل المباراة مع مشجعيها وجماهيرها وعشاقها ومتابعيها إلى العاصمة الإسبانية مدريد، وتحديدًا إلى ملعب سانتياغو برنابيو، وسط ترحيب رياضي وسياسي وإعلامي من الجهة الإسبانية، وجاهزية أمن وشرطة مدريد لأي مفاجآت، في 9 من كانون الأول الحالي (موعد المباراة)، وقبل أيام من انطلاق كأس العالم للأندية في أبو ظبي بالإمارات العربية المتحدة.
وبالاستناد إلى قوانين “كونيمبول” والاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، وخاصة المادتين الثامنة والـ18، والتي لو تم الذهاب إليها لاعتبر بوكا جونيورز فائزًا بالنهائي، لكن اللاعبين والمسؤولين في كرة بوكا يشيرون إلى ما يصفونه بتورط الحكام وتورط اتحاد الكرة في أمريكا الجنوبية بمحاولة الضغط على بوكا للعب المباراة خلال ليلة الهجوم.
ولعل هذه الأحداث تجري ضمن طبيعة المباريات الحساسة والنهائية في أي قارة، كما كان متوقعًا لأن يحدث مع النادي الأهلي المصري في موقعة رادس أمام الترجي التونسي إيابًا، حيث لم تغفل الصحافة والمواقع عن إشعال النار لأي درجة كانت، والتي ستذهب بدورها لحوادث مؤسفة، لكن وعي الجهازين الفني والإداري بالناديين الأكبر عربيًا أفرز مسؤولية رياضية بحتة بعنوان “مبروك للفائز وهاردلك للخاسر “، فتكسرت آمال المحرضين الذين تمنوا الأذى والتخبط الهمجي والاشتباك العنيف، وماتت التوقعات بنهائي فاز به من يستحق الفوز وخسر من لم يكن جاهزًا لحمل اللقب.
وعلى عكس التمنيات ظهرت الكرة الأرجنتينية وعشاقها وأنديتيها وجماهيرها بهذه الصورة، في محفل كاد أن يسهل على الشعب والحكومة الأرجنتينية، التي تعاني من ظروف اقتصادية “مريرة”، أن تقوي ملفاتها في استضافة بطولات قارية مهمة وحتى مونديال كأس العالم 2030 إن أتت النتائج لصالحها في وقت التصويت.
وهنا، لا بد من الحزن على وقوف هامات الكرة الأرجنتينية وأساطيرها في مشهد تبادل الاتهامات بدلًا عن العمل على تهدئة الجماهير الغاضبة في شوارع العاصمة الأرجنتينية لأيام.
كرة القدم ممتعة بجماهيرها وتشجيعها، ولكن نهائي “البريستيج” سيفقد نصف ألقه ومتعته لتغيير مكان المباراة و”ترحيلها” إلى مدريد، ولعل الجماهير كانت تنتظر لحظة احتضان لاعبي ريفر في الملعب ورفعه للكأس، أو معانقة بوكا اللقب، كما حدث في “رادس” مع جماهير الترجي، وكما كانت جماهير الأهلي المصري تتمنى أن تفعل لو عاد اللقب بأيدي الأبناء إليهم.
وعلى العموم صفحة النهائي المهم ستطوى بعد أيام في مدريد، وستبقى أحداث بيونس آيرس شاهدة وماثلة في ذكريات عشاق الكرة في العالم على عصبية وعظمة كرة القدم في التساوي.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :