كانون حاسم..
قائمة المجتمع المدني نقطة تحول يخشاها النظام في أستانة
عنب بلدي – مراد عبد الجليل
انتهت الجولة الحادية عشرة من محادثات أستانة بين النظام والمعارضة السورية، دون التوصل إلى نتائج ملموسة لأبرز قضايا الملف السوري المتعلقة بإنشاء لجنة دستورية من 150 عضوًا لكتابة دستور جديد لسوريا يكون تحت إشراف الأمم المتحدة.
وخرجت المحادثات، التي استمرت على مدار يومين، ببيان ختامي أقرب إلى بيانات الجولات السابقة، من حيث الدعوات إلى الحفاظ على وحدة سوريا واستقلالها وسلامة أراضيها، باستثناء التأكيد على أهمية الحفاظ على وقف إطلاق النار في محافظة إدلب، واستمرار الاتفاق الروسي- التركي المعلن في 17 من أيلول الماضي.
دي ميستورا يأسف لعدم تحقيق تقدم ملموس
ودار الحديث عن صعوبات تعترض تشكيل اللجنة الدستورية منذ أشهر من قبل مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا، ستيفان دي ميستورا، وسط اتهام المعارضة للنظام وحلفائه بالمماطلة في تشكيلها، لكن رغم ذلك كان يعول على محادثات أستانة بأن تقارب وجهات النظر بين الأطراف، والتوصل إلى اتفاق على آليات للمضي قدمًا في مسألة اللجنة الدستورية.
لكن البيان الختامي لجولة أستانة الأخيرة لم يشر إلى تاريخ تشكيل اللجنة، واكتفت الدول الضامنة (روسيا وإيران وتركيا) بتأكيد تصميمها على تكثيف الجهود الرامية لتشكيل اللجنة والإعلان عنها في أقرب فرصة.
أما دي ميستورا فأعلن فشل المحادثات، وأعرب عن أسفه لعدم تحقيق تقدم ملموس في تشكيل اللجنة، قائلًا في بيان صادر عن مكتبه، الخميس 29 من تشرين الثاني، ” إن المبعوث الأممي يأسف بشدة لعدم تحقيق تقدم ملموس للتغلب على الجمود المستمر منذ عشرة أشهر في تشكيل اللجنة الدستورية”.
وأضاف دي ميستورا، “كانت هذه المرة الأخيرة التي يعقد فيها اجتماع في أستانة عام 2018، ومن المؤسف بالنسبة للشعب السوري، أنها كانت فرصة مهدرة للإسراع في تشكيل لجنة دستورية ذات مصداقية ومتوازنة وشاملة يشكلها سوريون ويقودها سوريون وترعاها الأمم المتحدة”.
من جهتها، حملت الولايات المتحدة الأمريكية النظام السوري المسوؤلية عن فشل تشكيل اللجنة، واعتبرت أن محادثات أستانة وصلت إلى طريق مسدود، بحسب المتحدثة باسم الخارجية، هيذر نويرت، التي قالت إنه “على مدى عشرة أشهر، أدت مبادرة أستانة- سوتشي إلى مأزق فيما يتعلق باللجنة الدستورية السورية”.
وأضافت نويرت، في بيان الجمعة 30 من تشرين الثاني، أن روسيا وإيران تواصلان استخدام هذا المسار (أستانة) من أجل إخفاء رفض نظام الأسد المشاركة في العملية السياسية برعاية الأمم المتّحدة، داعية المجتمع الدولي إلى تحميل النظام السوري المسؤولية الكاملة عن عدم إحراز تقدم في حل النزاع وتشكيل اللجنة، التي اعتبرت إنشاءها وانعقادها في جنيف بحلول نهاية العام أمرًا حيويًا من أجل تخفيف التوتر بشكل مستدام والوصول إلى حل سياسي للنزاع.
النظام يرفض القائمة الثالثة
الحديث عن صياغة دستور جديد لسوريا، جرى في مؤتمر سوتشي في روسيا، في 30 من كانون الثاني الماضي، وتم الاتفاق على تشكيل لجنة دستورية من ممثلي النظام السوري والمعارضة، لإصلاح الدستور وفقًا لقرار مجلس الأمن الدولي “2254″.
وعقب ذلك عمل دي ميستورا على تشكيل اللجنة من 150 اسمًا (50 يختارهم النظام، 50 تختارهم المعارضة، 50 تختارهم الأمم المتحدة من ممثلين للمجتمع المدني وخبراء).
وسلم كل من النظام والمعارضة قائمتهما النهائية، في تموز الماضي، إلى دي ميستورا، لكن جوهر الخلاف يكمن في محاولة النظام السوري وحلفائه فرض أسماء معينة ضمن القائمة الثالثة (المجتمع المدني) الأمر الذي يرفضه المبعوث الأممي.
وقال ممثل الائتلاف الوطني وعضو الهيئة السياسية في محادثات أستانة، سليم الخطيب، لعنب بلدي، إن روسيا حاولت في المحادثات فرض أسماء معينة في تشكيل اللجنة الدستورية، لكن دي ميستورا رفض لأن ذلك يطعن في شرعية اللجنة الدستورية.
وأضاف الخطيب أن المبعوث الأممي وضع ستة معايير، لم يحددها، لقبول أسماء الثلث الثالث في اللجنة، ووافق على قبول الأسماء الروسية في حال موافقتها المعايير، لكن روسيا رفضت هذه المعايير، ما أدى إلى إعاقة تشكيل اللجنة.
تشكيل اللجنة نهاية النظام
وطرحت تساؤلات كثيرة حول أسباب رفض النظام السوري وحلفائه للجنة ووضع معوقات في وجه تشكيلها، الأمر الذي فسره مصدر مطلع على تشكيل اللجنة، وخاصة قائمة المجتمع المدني فيها، بأن النظام لا يريد لجنة دستورية تستمد شرعيتها من الأمم المتحدة، وإنما يريد أن يكون هو مصدر الشرعية، كما كان في تغيير الدستور عام 2012، لذلك يعرقل تشكيل اللجنة عبر الاعتراض على الأسماء بحجة عدم التوازن بين الموالاة والمعارضة.
وقال المصدر لعنب بلدي (طلب عدم ذكر اسمه)، إن وجود لجنة دستورية يعني أنها سلطة أصلية، لا سلطة تستمد سلطتها من الرئيس، وبغياب الكتلة الثالثة (قائمة المجتمع المدني) يستطيع النظام ضمان أن الحوارات ستستمر لسنوات لغياب الأكثرية، أما وجودها فيعني أن أغلبية الثلثين قد تتحقق، وخاصة أن أغلبية أسماء القائمة الثالثة من المستقلين ستطالب بقضايا الديمقراطية والتمثيل العادل وتداول السلطة.
واعتبر المصدر أن تشكيل اللجنة بالثلثين يعني تغييرًا جذريًا يساوي رحيل النظام، لذلك بدأ النظام وحليفته إيران بالاعتراض على أسماء في اللجنة الدستورية بحجة عدم موضوعيتها.
أما روسيا فتريد تشكيل اللجنة وتوافق عمومًا على أسماء الكتلة الثالثة الجاهزة، وهي تضغط على النظام في هذا الإطار، لكنها لا تستطيع الوصول إلى درجة التخلي عن حليفيها النظام وإيران فهي “تمارس ضغوطًا لكن بمقدار”.
وتحاول روسيا العودة إلى الساحة الدولية كقوة عظمى عبر البوابة السورية، عن طريق تنفيذ التزاماتها والوفاء بوعودها أمام المجتمع الدولي في حل القضية السورية سياسيًا، وإجراء انتخابات وتغيير الدستور كما أعلنت ذلك في مؤتمر “سوتشي”، لكن هذا لا يعني تسليم سوريا إلى المعارضة، وإنما تحاول تشكيل اللجنة الدستورية التي من الممكن أن تؤدي إلى تحول بطيء في سوريا يثبت وجودها وليس انتقالًا سريعًا يهدد وجود الروس هناك، بحسب المصدر.
وتوقع المصدر المطلع عدم تشكيل اللجنة الدستورية دون ضغط روسي كبير على النظام، معتبرًا أن الحل السياسي سيكون بعيدًا في سوريا في حال لم يتم التوصل إلى تشكيل اللجنة قبل نهاية العام الحالي.
وقال مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى سوريا، ألكسندر لافرينتيف، في مؤتمر صحفي، بعد نهاية المؤتمر الخميس الماضي، إن العمل على تشكيل اللجنة الدستورية السورية قريب من انتهائه.
وكان دي ميستورا هدد في 20 من تشرين الثاني الماضي، بالتخلي عن جهوده لتشكيل اللجنة الدستورية في حال لم يتم التواصل إلى اتفاق بهذا الشأن قبل نهاية العام.
وبين تهديد دي ميستورا ومعوقات النظام وحلفائه يترقب الشعب السوري ما ستؤول إليه الأمور خلال الأسابيع المقبلة والتي سترسم معالم العملية السياسية في سوريا.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :