سباب على كيفك

  • 2018/12/02
  • 10:40 ص
خطيب بدلة

خطيب بدلة

خطيب بدلة

الكلب، الواطي، الخارجي، المارق، الخنزير، العَلماني، الماسوني، الحقير، الإمَّعَة، الرُوَيْبِضَة، إلى آخر ما هنالك من هذه الصفات، موجودة بكثرة على صفحات الفيسبوك، يمكنك أن تأخذ منها مُصَنْدَقَةً، أي معبأة في صناديق، أو مُسَلْفَنَةً، أي ملفوفة بورق سيلوفان، أو متروكة حرة (دوكما)، وما عليك إلا أن تغرف منها ما تشاء، ثم تضيف إليها اسم الشخص الذي تكرهه، وتلصقها به، وتنشرها على صفحتك، أو على صفحات تحمل أسماء مستعارة تديرُها أنت، وبذلك تكون قد شوهتَ سمعة الرجل، ولعنتَ سنسفيل أجداده بكبسة زر.

كانت الرقابة في سوريا، وفي كل الدول المتخلفة، تمنع الناس من استخدام حقهم في الكلام والتعبير عن الرأي، والناس بدورهم يسبون عليها، ويسمون الرقيب، لأجل احتقاره: “المكتوبجي”! ويقولون إنه يقمع الناس، ويكم الأفواه، ويعادي الحريات. وكانت الرقابة، في الوقت نفسه، تمنع السباب.. ولكن وسائل التواصل الاجتماعي التي أتاحها الإنترنت العظيم أعادت لهم هذا الحق السليب، ومكنتهم من التعويض عن السنوات الطويلة التي كانوا يبدون فيها مهذبين غصبًا عن الذين خلفوهم، وأفسحت لهم المجال في ابتكار أنواع لا حصر لها من السباب و”التحاشيك”.

إنني أنظر أحيانًا إلى اللوحة السورية العامة، فأبلغ العجب العجابَ إذ أرى ناشطي النظام البراميلي المجرم، وناشطي الثورة والمعارضة، كلهم، يسبون على الثوار والمعارضين! النظام يسب عليهم؛ لسبب منطقي للغاية، وهو أن الثورة أفسدت عليه هناءته، فبينما هو يأخذ أموال الشعب بالليرة السورية، ويحولها إلى الدولار واليورو، وينقلها بسلاسة إلى البنوك السويسرية.. وبشار الأسد يجهز ابنه حافظًا لرئاسة الجمهورية (وقيادة السفينة)، وعمار بكداش يجهز ابنه خالدًا لقيادة الحزب الشيوعي، و”الأستاذ” بثينة تجهز ابنَها شعبان لمنصب المستشار، إذ خرج الثوار السفهاء يريدون خلط الحابل بالنابل، وقَلْب هذه الأوضاع رأسًا على عقب، فاستحقوا شتم البراميليين وسبابهم وتحاشيكهم.

المعارضون معهم كل الحق في السباب على الثوار والمعارضين أيضًا. فثمة معارض إسلامي خاب أمله في أبناء أمته الإسلامية الذين لم يتمسكوا بدينهم، ولم يُطْلِقُوا لحاهم، ولم يرابطوا على الثغور، ولم يتزوجوا بنساء الإخوة الشهداء ليستروا عليهن، ولم يشاركوا في اقتسام الغنائم والأنفال.. وثمة معارض داخلي، متشبث بالأرض، يشيد ببطولات الجيش العربي السوري في قتل الإرهابيين، ويسب على الناس الذين هربوا من قذائف الجيش الباسل إلى أوربا، و”يُحَشّك” على المعارضين الذي لجؤوا إلى تركيا راعية العثمانية الجديدة! وثمة معارض علماني تفرغَ ردحًا من الزمان لملاحقة الهيئات السياسية التي تشكلت في أثناء الثورة، لا يترك اجتماعًا يعقده أحدها إلا ويذهب إليه، ويتشاجر مع بوابي الفنادق والحجّاب الذين يمنعونه من الحضور، ويتزلف للمعارضين البارزين، ويطلب دعمًا لمشاريعه الثورية من هذا، وتمويلًا لأفكاره البناءة من ذاك، حتى إذا انقضت الأيام والسنون ولم ينل ما يريد جَعَلَ هَمَّه الأساسي في هذه الحياة هو السباب على المعارضين والثوار، ويؤلف القصص التي تحط من قدرهم وتنزلهم من أعين الشعب.

هذا كله يحصل -يا سادتي- بينما المجرم الأكبر بشار الأسد يزداد التصاقًا بكرسيه، ولا يطاله من السباب سوى النذر اليسير.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي