الألغام.. تركة “داعش” القاتلة في درعا
درعا – حليم محمد
بعد سيطرة قوات النظام وفصائل التسوية على منطقة حوض اليرموك، في آب الماضي، أصبحت الألغام التي زرعها تنظيم “الدولة الإسلامية” في حوض اليرموك بريف درعا الغربي، هاجسًا أمام المدنيين الذين ينوون العودة إلى أراضيهم ومنازلهم.
وعلى غرار المناطق الأخرى التي خرج منها التنظيم سابقًا، بدت مهمة تقليص خطر الألغام عبئًا ثقيلًا على عاتق المنظمات المدنية والمؤسسات المعنية بالأمر، ولم يكن بالسهل توقيف عداد الضحايا بفعل هذه الألغام.نتيجة لنقص حملات التوعية، كانت الألغام خطرًا على الأطفال بشكل خاص، وقد تم تسجيل عدة حوادث أدت إلى مقتل وجرح العشرات منهم.
وأدت مخلفات الحرب (انفجار ألغام وقنابل فراغية) في مدينة درعا إلى مقتل عدد من الأشخاص خلال شهر تشرين الأول الفائت، إذ وثق “مكتب توثيق الشهداء في درعا” مقتل سبعة أشخاص، بينهم ثلاثة أطفال.
وأشار المكتب (جهة مدنية تُعنى بتوثيق الضحايا في درعا) إلى مقتل سيدة وطفل، في 14 من تشرين الأول، إضافة إلى إصابة طفل آخر، نتيجة انفجار قنبلة فراغية ولغم أرضي في مدينة جاسم وبلدة تسيل.
كما توفي طفل وشخص في مدينة داعل وبلدة الشجرة بعد انفجار لغم من مخلفات المعارك في الفترة ذاتها، إضافة إلى انفجار لغم في بلدة الغارية الشرقية في ريف درعا الشرقي، ما أدى إلى وفاة طفل، وإصابة أربعة آخرين.
الألغام تمنع الفلاحين من العناية بأراضيهم
لم يقتصر خطر الألغام على الناحية البشرية، بل تعداها إلى تهديدات اقتصادية، ما ينذر بأزمات على المدى المنظور، إذ أجبرت الألغام أصحاب المزارع في المناطق التي كانت على تماس مع خطوط الاشتباك، على هجر مزارعهم بسبب الخوف من وجود “تشاريك” ألغام مدفونة في أراضيهم فأصبحت تلك المزارع حطامًا.
أبو خالد من بلدة سحم في ريف درعا الشمالي (رفض نشر اسمه الكامل لمخاوف أمنية)، قال لعنب بلدي، “أملك مزرعة عنب 20 دونمًا ومزرعة رمان 25 دونمًا، وحتى اليوم لم أستطع العمل فيها خوفًا من وجود ألغام”، وأضاف “خسارتي الكبرى بعد جفاف موسم العنب لأكثر من ثلاثة أعوام، إذ إن النبات تقزّم ولم يعد يصلح كمحصول ثمري”.
مزارع آخر من بلدة حيط في ريف درعا الغربي (رفض نشر اسمه لمخاوف أمنية)، قال لعنب بلدي، “أصبح شجر مزرعتي حطامًا، ومع ذلك لا يجرؤ أي صاحب جرار على فلاحة أرضي خوفًا من وجود ألغام”.
ولم يقتصر الخطر على بلدات حوض اليرموك، إنما شمل أيضًا مناطق النزاع بين الجيش الحر وقوات الأسد، وآخر فصول الموت كان انفجار سيارة زراعية بين مدينة داعل وقرية عتمان في ريف درعا الشمالي، قتل فيها شخصان من داعل وذلك بعد دخولهم لأرضهم بسيارة زراعية، مطلع شهر تشرين الثاني الفائت.
وكذلك قتل الشاب عبد الرحيم الحريري، من مدينة الحراك في ريف درعا الشرقي متأثرًا بجراحه بعد انفجار لغم أرضي فيه في 27 من تشرين الثاني الفائت.
بالإضافة لوجود جرحى تتنوع حالات بين بتر الساق والتشوه الجسدي، ولكن لا توجد إحصائية موثقة بالعدد الكامل.
محاولات “قاصرة” لتفكيك الألغام
قال قيادي سابق بالجيش الحر لعنب بلدي (فضل عدم الكشف عن اسمه لأسباب أمنية)، “عملنا على تفكيك عدد كبير من الألغام واعتمدنا أسلوب التفجير عن بعد لتفادي خطر الوقوع بالأخطاء، وكون الخطأ الأول هو الأخير”.
وأضاف القيادي أن “التنظيم اعتمد مبدأ التمويه وزرع الصمامات والتشاريك بشكل عكسي، بالإضافة إلى طرق وحيل كثيرة عرضت فريق التفكيك لخطر الانفجار في أي لحظة”، وتابع “بعد انكسار التنظيم لم نحصل على خرائط لتفكيك التشاريك التي كانت مزروعة بشكل عشوائي، ونعمل على مسح الأرض والمناطق التي كان التنظيم يخشى الاقتحام منها، ولكن إزالة الألغام بشكل كلي تحتاج إلى فريق مدرب ومعدات هندسية دقيقة ووقت طويل”.
كما كلف النظام كتيبة الهندسة التابعة لـ “قوات الأسد” بعد أن ضم إليها مجموعات من عناصر التسوية للعمل على تفكيك الألغام، وفي أثناء العمل حدثت أخطاء فنية، أدت الى مقتل سبعة عناصر للنظام، وكان ذلك بسبب الخدع الفنية والتمويه الذي كان يستخدمه تنظيم الدولة، في زرع “التشريكات”، وأيضًا بنفس الأخطاء قتل عدد من أفراد مجموعات التسوية، بحسب القيادي.
طرق تلافي أخطار الألغام
يقول موظف سابق في منظمة إنسانية لعنب بلدي (فضل عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية)، إنه تجب التوعية الكافية بأخطار العبث بالألغام، ولا بد من حملات توعية وخصوصًا للأطفال.
ودعا الموظف المواطنين في محافظة درعا إلى “عدم الاقتراب من الأجسام الغريبة والتعامل معها بحذر
شديد، في حال وجود جسم غريب أو لغم، وإبلاغ الجهات المختصة مع الإحاطة بعدم اقتراب أحد من المكان”.
وشدد على ضرورة “تنفيذ حملات توعية داخل المدارس لتعريف الطلاب بخطر الألغام وعدم الاقتراب من الاجسام الغريبة. على الفاعلين في البلدات وبالتعاون مع المختصين وضع إشارات على لوحات تنذر بخطورة المكان ووجود ألغام في المنطقة المسورة بهذه الإشارات”.
وما زالت مشكلة الألغام الهاجس المقلق لأهالي المناطق التي كانت تشهد معارك والتي كانت خطوط اشتباك بين فصائل المعارضة والنظام من جهة، وبين الفصائل وتنظيم الدولة من جهة أخرى، وخاصة بعد عودة الأهالي إلى قراهم بجميع المناطق.
ونظرًا لغياب دور المنظمات الدولية في مناطق النزاع، واكتفاء النظام بفرق هندسية عملت على مسح المواقع بشكل غير دقيق، يبقى خطر انفجار الألغام هاجسًا يؤرق الأهالي.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :