تحويل المعتقلين إلى أسرى حرب

  • 2018/12/02
  • 12:00 ص
منصور العمري

منصور العمري

منصور العمري

فشلت مفاوضات “أستانة” في جولتها الأخيرة حسب تصريح راعي المفاوضات ستيفان دي ميستورا. رغم ذلك أصدرت الدولة الضامنة للمفاوضات بيانًا لم يتطرق لهذا الفشل.

أما فيما بتعلق بمسألة المعتقلين والمختفين قسرًا والمخطوفين والمفقودين، فجاء في البند العاشر من “البيان المشترك لإيران وروسيا وتركيا حول الاجتماع الدولي بشأن سوريا في أستانة” 28/29 من تشرين الثاني 2018:

الترحيب بالتجربة الناجحة لإطلاق سراح المعتقلين/المخطوفين في إطار عمل “مجموعة العمل”، وتسليم الجثث وتحديد المفقودين. شكل إطلاق سراح معتقلين في 24 من تشرين الثاني 2018، تقدمًا في معايير بناء الثقة بين الأطراف السورية، للإسهام في دعم العملية السياسية وتطبيع الواقع على الأرض، مع التأكيد على الالتزام بتقدم مستمر في جهود مجموعة العمل.

وصفت وكالة الأنباء الحكومية السورية (سانا)، التبادل على أنه: “تحرير 10 مختطفين كانوا محتجزين لدى التنظيمات الإرهابية التكفيرية في ريف حلب الشرقي”. استخدمت الوصف ذاته صحف النظام السوري وإعلام “حزب الله” وسبوتنيك الروسية، و”العالم” الإيرانية.

بينما وصف “المرصد السوري لحقوق الإنسان” العملية أنها “تبادل لـ 20 من الأسرى ومختطفين ومعتقلين في ريف حلب الشمالي الشرقي، حيث جرى إطلاق سراح 10 أشخاص من أسرى قوات النظام والمسلحين الموالين لها ومختطفين لدى الفصائل العاملة في حلب، مقابل إفراج قوات النظام عن 10 معتقلين في سجونه”.

بالمقابل، قال المتحدث الإعلامي لوفد المعارضة إلى “أستانة”، أيمن العاسمي، إن العملية هي “اختبار لفتح قضية المعتقلين بشكل عملي، وهي عملية إطلاق سراح بالتزامن وليست عملية تبادل لأننا نرفض عملية تبادل المعتقلين”. أراد المتحدث باسم وفد المعارضة التهرب من مسؤولية التبادل بتفسير الماء بعد الجهد بالماء، فإطلاق السراح المتزامن هي جزء من تعريف التبادل. كما أن النظام يعتقل عشرات الآلاف على أقل تقدير، بينما تُقدر أعداد المخطوفين لدى الجهات المقابلة بالآلاف. فما الذي سيحدث عندما تسلم الفصائل المناهضة للحكومة جميع المخطوفين لديها، ويبقى عشرات الآلاف لدى النظام؟ هل ستحتفظ هذه الفصائل بمجموعة نهائية لتبادلها مع كل من بقي لدى الأسد؟ هل لدى هذه الفصائل أو أي جهة عدد المعتقلين الأحياء لدى النظام؟ ما المعايير التي يتم من خلالها اختيار أسماء المعتقلين المراد الإفراج عنهم؟ وهل تعتمد مبادئ أولوية إطلاق سراح “الأكثر ضعفًا” كالأطفال والنساء والمرضى، أم أنها تختار قادة عسكريين ومقاتلين وشخصيات “مهمة” وأقارب للمسؤولين عن عمليات التبادل؟ هنالك تفاصيل كثيرة تجعل هذه “التجربة الناجحة” جريمة بحق المعتقلين لدى الأسد وأهاليهم، وفشلًا ذريعًا في معالجة قضية المعتقلين ككل، رغم أنها حررت بعض المعتقلين والمخطوفين.

بدايةً، تحرير أي معتقل أو مخطوف، من ظروف الاعتقال اللاإنسانية والتعذيب، وبلا جريمة، لدى أي جهة هي أمر مطلوب وضروري، ومهما كان شكل العملية فهي تصب في النهاية في تحرير الإنسان وحفظ كرامته.

لكن بالنظر إلى مسألة المعتقلين بكليّتها، يعتبر هذا التبادل اختصارًا لها في تشويه يحول قضية المعتقلين لدى النظام السوري من قضية إنسانية، تثبت جرائم تشمل الاعتقال التعسفي ثم الإخفاء القسري فالتعذيب والمعاملة اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة والانتهاكات الجنسية، إلى مسألة مشابهة لتبادل أسرى الحرب، كجزء من العملية السياسية في سوريا حسب بيان أستانة، بما يسقط كل تلك الجرائم عن النظام في سوريا وعن خاطفي المدنيين غير المشاركين في أعمال قتالية على يد الجماعات المناهضة لنظام الأسد. يفرض هذا التبادل على الضحايا المطالبة بحقوقهم خارج سوريا، والنتيجة رمزية ونظرية في هذه الحالة لأنه لن تكون هناك محاسبة فعلية للمرتكبين من نظام الأسد طالما بقي حاكمًا لسوريا. على العكس تمامًا، فبحكم القانون الوطني السوري والمادة 3 المشتركة بين اتفاقيات جنيف، يحق لنظام الأسد ملاحقة “الأشخاص الذين احتجزوا لمشاركتهم في العمليات العدائية” جنائيًا بمقتضى القانون الوطني، وهو ما بدأ به بالفعل في المناطق التي فرض سيطرته عليها بالقوة بعد تهجير أهلها وعقد اتفاقات ما يسمى بالمصالحة مع من بقي فيها.

صفقات تبادل المحرومين من حريتهم تُسقط جرائم الاعتقال العشوائي والتعسفي والإخفاء القسري والتعذيب التي ارتكبها نظام الأسد ولا يزال، والاختطاف والتعذيب الذي ارتكبته فصائل مناهضة للأسد ولا تزال، وتعتبر جريمة بحق المعتقلين لدى الأسد بمختلف فئاتهم:

ضحايا حملات الاعتقال العشوائي الذين لم يظهروا أي فعل أو رأي ضد الحكومة.

ضحايا الاعتقال بسبب ممارستهم حقهم في التعبير عن الرأي.

من مارس حقه بالتجمع وتكوين الجمعيات، وشارك في المظاهرات السلمية.

الصحفيون والناشطون الإعلاميون والفنانون والكتّاب والممثلون.

العاملون في المجال الإنساني، كالأطباء والممرضين وناشطي الإغاثة الطبية والغذائية.

يجعل هذا التبادل كل من لم يشارك بالقتال من الفئات أعلاه بمثابة مقاتل وأسير حرب.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي