باتت وسائل التكنولوجيا والإنترنت تُلازم الإنسان في جميع مراحل حياته، فمنذ اللحظات الأولى التي يفتح بها الأطفال عيونهم على هذا العالم تبدأ هذه التقنية في رسم تجاربهم الحياتية، وأفكارهم ومعتقداتهم، ليرافقهم هذا التأثر في جميع مراحلهم العمرية وتنشئتهم الاجتماعية.
إن التحول الرقمي والانتشار السريع لتقنية المعلومات والاتصالات غيّر العالم ومعه شكل حياتنا اليومية، وتصرفاتنا في المراحل العمرية المختلفة.
شكلت مرحلة الطفولة تغيّر أيضًا، مع تغيّر اهتمامات الأطفال وألعابهم وطرق تلقيهم للمعلومة، فقد وفرت لهم التقنية الرقمية فرصًا أكبر في الوصول إلى المعلومة واللعب المفيد وتنمية الهوايات والمهارات.
مخاطر كبيرة على الأطفال يجب توخي الحذر منها:
ولكن في المقابل للتفاعل الرقمي مخاطر كبيرة على سلامة الأطفال وخصوصيتهم أحيانًا، إذ زادت فرص تعرضهم للمحتوى غير اللائق (الصور الجنسية والإباحية والعنيفة والمواد العنصرية والتمييزية وخطاب الكراهية والمواقع التي تروّج لسلوكيات غير صحية مثل إيذاء النفس والانتحار…)، بالإضافة إلى التنمر والاستغلال والتحرش والاعتداء الجنسي، وفتحت هذه التقنية قنوات جديدة للاتجار بالأطفال، وابتكرت وسائل لإخفاء تلك المعاملات من سلطات إنفاذ القانون، ناهيك عن ما يجده القراصنة والمخترقون من سهولة في الوصول إلى ملفات الأطفال وهوياتهم التي قد لا تكون محمية على وسائل التواصل الاجتماعي ومنتديات الألعاب مع ما قد يجره ذلك من تبعات ومخاطر جمّة.
آثار سلبية نفسية وجسدية للاستخدام المفرط للإنترنت:
يحذّر الأطباء من تداعيات نفسية وجسدية تطال الأطفال جراء استعمالهم المفرط للأجهزة الإلكترونية، فهم أكثر عرضة للقلق والاكتئاب والعزلة والشعور بالوحدة والكسل والخمول واضطرابات النوم، بالإضافة للإدمان المرضي، وفقدان المقدرة على التفكير الحر، وتعزيز ميول العنف والعدوان لديهم، خاصة وأن نسبة كبيرة من الألعاب الإلكترونية تعتمد على التسلية والاستمتاع بقتل الآخرين والتدمير.
أما عن الأمراض الجسدية التي يسببها الجلوس أمام أجهزة الحاسوب والأجهزة اللوحية والهواتف الذكية لساعات طويلة، فتتمثل بالسمنة والخمول الجسدي والصداع وإجهاد العين وتشنج العنق وآلام في الكتفين والظهر.
إيجابيات وفرص لا محدودة:
وعلى العكس من ذلك يؤمّن الاستخدام المعتدل للإنترنت، وتقليل مدة البقاء أمام الأجهزة الإلكترونية فرصة للاستفادة القصوى من وقت الأطفال، وتنشيط ذاكرتهم من خلال ألعاب الذكاء والتركيب وغيرها، فضلًا عن فرص لا محدودة للتعلم واكتساب المهارات المختلفة، وثروة من المحتوى المتنوع الغني، ومنابر التعبير الحر، وتبادل الخبرات.
مخاطر التهديدات الإلكترونية على الأطفال أكبر:
ومع كل هذه الفرص التي خلقتها وسائل التكنولوجيا الحديثة، ظهر في الوجه الآخر تحديات جديدة، فرضت إلقاء الضوء عليها ومعالجتها.
إذ تشير الوقائع إلى أن الأطفال هم أكثر عرضة للوقوع في مخاطر التهديدات الإلكترونية، كاختراق الحسابات الشخصية، والتتبع والاحتيال، وسرقة البيانات، والتحكم في الأجهزة الشخصية، كما أنهم أكثر عرضة للمعاناة من الأضرار الناتجة عن هذه التهديدات بما في ذلك فقدان الخصوصية، وذلك لأنهم أقل إدراكًا للمخاطر القابعة من ورائها، إضافة إلى أن الكثيرين منهم يفتقرون إلى المهارات الرقمية، والقدرات الحيوية لقياس مدى سلامة ومصداقية المحتوى والعلاقات التي يتعرضون لها على الإنترنت.
وقد يؤدي كثرة الجلوس على الإنترنت بدون رقيب إلى دخول الطفل إلى ما يسمى Deep or Dark Webs أو “شبكة الإنترنت العميقة أو السوداء”، وهي شبكة مغلقة وسرية يجري فيها كل أنواع التجاوزات والفظائع من عقد صفقات السلاح والمخدرات إلى بيع الأطفال القصّر، وتجارة الجنس، وغيرها من صور التجارة المحرمة دوليًا، بعيدًا عن رقابة القانون.
تجنيد الأطفال إلكترونيًا:
علاوة على ذلك تعمل بعض التنظيمات الإرهابية المسلحة على بناء شبكة لتجنيد الأطفال، من خلال الاتصال بهم بطرق مختلفة، مثل الدردشة معهم صوتيًا، أو نصيًا ومحاولة تضليلهم وإقناعهم بأفكارهم العنيفة والعدوانية والإجرامية، إلى جانب الوصول إليهم من خلال الألعاب الإلكترونية حيث يعملون على غسل أدمغتهم من خلالها، ومن الأمثلة على ذلك محاولات لتجنيد أطفال في الولايات المتحدة من داخل لعبة “Roblox” الطفولية، بهدف تنفيذ عمليات إرهابية داخل أراضيهم.
أكدت دراسة بعنوان: “الإعلام والثقافة وفنون الطفل”، أن تأثير المشاهد المرئية في ثقافة الطفل تصل إلى نسبة 40٪، بينما تمثل الأسرة والمدرسة والجيران والمجتمع مجتمعين النسبة المتبقية. ولفتت الدراسة إلى أن المنظمات الإرهابية التي تعمل على استقطاب الناشئة في صفوفها كانت أكثر وعيًا بأهمية الوسائط الإعلامية الحديثة، وأثرها الطاغي في الأطفال والشباب، فسارعت جاهدة باستخدام تلك الوسائل حتى تضمن تأسيس جيل موالٍ لها يعتنق أفكارها المريضة، كما أدركت أهمية القوى الناعمة في التأثير.[1]
أصدر تنظيم “داعش” الإرهابي لعبة إلكترونية باسم “صليل الصوارم”، في أيلول من عام 2014، تُتيح لمستخدميها تنفيذ عمليات تفجير وقنص واقتحامات، الأبطال فيها هم عناصر داعش أما الأعداء فهم الجيوش العربية وقوات التحالف، وهي نسخة عن اللعبة المعروفة “جراند ثيفت أوتو 5 – Grand Theft Auto 5“[2].
وصول الأطفال إلى العالم الرقمي:
تشير إحصاءات منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسيف” التي عرضتها في تقرير لها حمل اسم: “الأطفال في عالم رقمي” صدر عام 2017، إلى أن الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15و 24 عامًا يمثلون الفئة العمرية الأكثر اتصالًا بالإنترنت في العالم، لتبلغ نسبتهم 71% مقارنة مع 48% من إجمالي عدد السكان.[3]
وينتمي واحد من بين كل 3 مستخدمين للإنترنت في العالم لفئة الأطفال والمراهقين الذين تقل أعمارهم عن 18 عامًا.
كما تشير البيانات إلى أن الأطفال يستخدمون شبكة الإنترنت في سنٍّ أصغر على نحوٍ متزايد، وفي بعض البلدان، يستخدم الأطفال دون سن 15 عامًا شبكة الإنترنت، وفق نسبة مشابهة تقريبًا لاستخدامات الشباب، والبالغين فوق 25 عامًا. إلا أنه في المقابل 29% من الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عامًا غير موصولين بالإنترنت وهو ما يبلغ 346 مليون شاب.
الفجوات الرقمية:
ولفت التقرير إلى وجود فجوات في الوصول إلى العالم الرقمي، محذرًا من الدور الذي يمكن أن تلعبه هذه الفجوات في تعميق الانقسامات الاقتصادية والاجتماعية القائمة، وأكد أن الوصول الرقمي لا يشكل ضرورة جديدة من ضرورات العصر فحسب، وإنما يتيح إمكانية كسر دورات الحرمان بين الأجيال، والتي قد لا يتمكن الأطفال الأكثر فقرًا من الانعتاق منها.
1ـ الثغرات الاقتصادية: عكست الفوارق الاقتصادية بين الدول أثرها على مستخدمي الإنترنت، فقد وصل عدد مستخدميه في الدول المتقدمة إلى 81% من السكان، بينما بلغت هذه النسبة 40%في البلدان النامية، واقتصرت على 15% فقط في البلدان الأقل نموًا.
2- فجوة اللغة: يواجه المليارات من الأطفال على شبكة الإنترنت عدم وجود محتوى على الإنترنت بلغتهم الأم، ففي عالم تستأثر فيه اللغة الإنكليزية بـ 56% من المواقع لا يمكن للعديد من الأطفال العثور على المحتوى الذي يفهمونه أو يتصل بحياتهم، وفي عام 2016 استحوذت 10 لغات فقط على غالبية مواقع الويب.
– وذلك فضلًا عن تفاوت إمكانية الوصول إلى الأجهزة الإلكترونية مثل أجهزة الحاسوب المحمولة والتي يُمكنها مساعدة الأطفال في تحقيق أقصى استفادة من الفرص المتاحة على الإنترنت.
مواقع وتطبيقات آمنة للأطفال:
- أطلقت شركة “غوغل” عام 2016 محرك بحث باسم Kiddle موجه حصريًا للأطفال، يتضمن فلاتر وخدمات بحث آمن لحماية الأطفال من ظهور محتويات غير لائقة أو مواقع مزعجة.
- أطلقت شركة “يوتيوب” عام 2017 تطبيقYoutube Kids الموجه للأطفال وذويهم، ويتيح التطبيق لمستخدميه تحديد مجموعة معينة من المقاطع التي يمكن للأطفال مشاهدتها، وفق المنظومة التربوية والقيمية التي يريد الأهل غرسها في الأطفال، كما يمكن للأهل حذف مقاطع بعينها بحيث لا تظهر للأطفال، أو حتى منع الأطفال من تصفح قنوات كاملة بعينها، وذلك لضمان سيطرة الأهل الكاملة على ما يشاهده أطفالهم.
- أطلق موقع “فيس بوك”، عام 2017 نسخة جديدة من تطبيق “ماسنجر” مُخصصة للأطفال تحت سن 13 عامًا باسم Messenger Kids. يُمكن للآباء إدارة التطبيق بعد تحميله على أجهزة الأطفال من خلال حساباتهم على “فيس بوك”، كما أضاف الموقع هذا العام خاصية جديدة لهذا التطبيق بعنوان Sleep Mode تسمح للآباء بضبط مواعيد إغلاق التطبيق.
نصائح للوالدين لتعزيز الأمن الرقمي لأبنائهم:
- اشرح لطفلك أنه لا يجب عليه مطلقًا إعطاء بيانات شخصية عبر الإنترنت بدون الرجوع إليك، بما في ذلك الامتناع عن تحديد الموقع جغرافيًا من خلال منشورات وسائل التواصل الاجتماعي.
- حذر أطفالك من التحدث مع الغرباء على الإنترنت، واشرح لهم كيف أن البعض ينتحلون شخصيات مزورة محاولين استمالة الطفل، خاصة في حال وصولهم لبياناته الشخصية وهواياته والأشياء التي يفضلها.
- اجعل طفلك يستخدم أجهزته الإلكترونية في بيئة مفتوحة وليس في الخفاء، وراقب عناوين مواقع الإنترنت التي يتصفحها.
- اشرح لطفلك أهمية التعبير عن نفسه بشكل لائق من خلال منشوراته على وسائل التواصل الاجتماعي، وما لذلك من تأثير على سمعته وصورته أمام الآخرين على المدى الطويل.
[1] “داعش يتسلل إلى الأطفال عبر ألعاب إلكترونية على الإنترنت”، جريدة الحياة. (آخر زيارة 29 تشرين الثاني/نوفمبر 2018). http://www.alhayat.com/article/701372/-%D8%AF%D8%A7%D8%B9%D8%B4-%D9%8A%D8%AA%D8%B3%D9%84%D9%84-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B7%D9%81%D8%A7%D9%84-%D8%B9%D8%A8%D8%B1-%D8%A3%D9%84%D8%B9%D8%A7%D8%A8-%D8%A5%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%B1%D9%88%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%86%D8%AA%D8%B1%D9%86%D8%AA..
[2] “صليل الصوارم.. لعبة إلكترونية جهادية من داعش”، العربية نت، آخر مشاهدة 29-11-2018، https://www.alarabiya.net/ar/last-page/2014/09/20/-%D8%B5%D9%84%D9%8A%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%88%D8%A7%D8%B1%D9%8A-%D9%84%D8%B9%D8%A8%D8%A9-%D8%A5%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%B1%D9%88%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D8%AC%D8%AF%D9%8A%D8%AF%D8%A9-%D9%85%D9%86-%D8%AF%D8%A7%D8%B9%D8%B4.html.
[3] الأطفال في عالم رقمي، حالة أطفال العالم عام 2017. يونيسيف. 2018. (آخر زيارة 29 تشرين الثاني/نوفمبر 2018). https://www.unicef.org/publications/files/SOWC_2017_Summary_Ar_Web.pdf. للمزيد من المعلومات انظر أيضًا: https://www.unicef.org/arabic/online-safety/.