سيرين عبد النور – عنب بلدي
على أحد مداخلها تستقبلك لوحة سوداء كبيرة كتب عليها بالخط الأبيض «ولاية الرقة»؛ المدينة التي باتت من أشهر مدن العالم، إن لم تكن أشهرها، بعد سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية عليها بتاريخ 13 كانون الثاني 2014.
وبعد معارك خاضها ضد فصائل أخرى مقاتلة كانت تشترك معه في إدارة المدينة منذ تحريرها في آذار 2013 من قوات الأسد، سيطر التنظيم بشكل كامل على المدينة وأريافها ثم تابع في النصف الثاني من العام الفائت السيطرة على باقي مقرات الأسد كمطار الطبقة والفرقة 17 وغيرها.
- عام من السواد
وأطلق عددٌ من الناشطين تعليقاتٍ تنعي مدينتهم «المختطفة» في قبضة التطرف بعد مرور عامٍ على سيطرة التنظيم عليها، كالناشط الإعلامي عمر هويدي، الذي قال يوم الثلاثاء «في مثل هذا اليوم خلعت مدينتي فستانها الأبيض الذي كانت ترتديه لفراتها».
وكانت الرقة شهدت في مثل هذا الوقت من العام الماضي 12 يومًا من الاشتباكات المتواصلة راح ضحيتها أكثر من 80 شخصًا بين مقاتلين ومدنيين إثر عمليات قنص متبادلة، وبقيت جثثهم ملقاة في الشوارع لأكثر من 3 أيام.
وبينما لا يزال عشرات المفقودين مجهولي المصير، حاول الناشطون التذكير بهم وعلى رأسهم الأب باولو الذي اختطف في 29 تموز 2013 حين بادر لتخفيف الاحتقان بين التنظيم ومقاتلي المعارضة، وعبد المجيد العيسى قائد فصيل أمناء الرقة المختطف منذ 2 آب 2013، والمحامي عبد الله خليل رئيس المجلس المحلي لمحافظة الرقة الذي أوقف بتاريخ 18 أيار 2013.
وكانت «الدولة» عملت على إيقاف الناشطين والإعلاميين والعسكريين المعارضين لها، بشكل منهجي ما ساعد في تمكين سيطرتها على المدينة، كما تقول الناشطة سعاد نوفل معلقةً «كان يومًا أسود حين أتيتم».
- رعب الحواجز
بالقرب من نهر الفرات وعلى بعد أمتار من جسر المدينة القديم يقف بعض العناصر التابعين لتنظيم الدولة حاملين سلاحهم، يدققون في هويات العابرين ويفتشون السيارات التي تجتاز حاجزهم.
وانتشرت هذه الحواجز التي تنفذ قراراتٍ بسماح دخول وخروج الأهالي إلى المدينة على المداخل الأربعة الرئيسية وهي المشلب والمقص والفروسية والسباهية.
كما تنتشر دورياتٌ متكررة لعناصر التنظيم تضبط تنفيذ «أحكام الشريعة» وفق رؤية الشرعيين، وتقيم القصاص على المخالفين بمحاكمات من الهيئات الشرعية التابعة لدار القضاء.
«نحن نموت هنا دون أن يشعر بنا أحد» بهذه الكلمات يصف أحد الأهالي ما يحدث في الرقة، التي تعاني من انقطاع في الماء والكهرباء مستمرٍ منذ 4 أيام.
- توفر في الخدمات
لكن المدينة رغم ذلك تتوفر فيها بعض الخدمات المعيشية والاقتصادية كالمحروقات المتاحة للعموم في أكثر الأوقات، حيث يحول التنظيم جزءًا من واردات النفط التي يبيعها في السوق السوداء إلى الجانب الخدمي.
ولم نتمكن من الحصول على إحصائيات دقيقة تدلّ على ثبات التنظيم اقتصاديًا نظرًا لتكتمه عليها، إلا أن أسعار البنزين والمازوت المكرر تتراوح بين 120 إلى 140 ليرة سورية، بسعرٍ يقارب التعرفة في مناطق الأسد في حين يندر تأمين المحروقات في أغلب مناطق المعارضة.
- فرض التعليم الشرعي
وفي سياق نهج التنظيم بفرض سياساته التعليمية، سيعاد فتح المدارس التي أغلقت نهاية العام الماضي، لكن بعد تغيير أسمائها إلى أسماء تاريخية إسلامية كحطين وأبو مصعب الزرقاوي وعبد الله بن مسعود.
ويأتي ذلك ضمن خطة تفعيل المدارس الصادرة عن «ديوان التعليم» حسب المراحل المقررة، تزامنًا مع دورات شرعية مكثفة نظمها شرعيو «الدولة» للمدرسين.
الأهالي في الرقة يتوقون لحياة هانئة بعيدة عن صخب القتال، يصف هيثم، أحد الناشطين الرقيين الذين غادروا المدينة، الحال بالقول «فرات هل أنت بالخير.. لكن الصدى يعود بشكلٍ يشبه سعي أبنائها وهم يضربون أقدامهم في المجهول… هنا الرقة».