على لسان تجاره..
من يعيق إنعاش سوق حمص القديم؟
عنب بلدي – أسامة العبود
سعت حكومة النظام السوري إلى “وأد” سوق حمص المركزي، بدءًا من تدميره ثم تحجيم دور تجاره وصولًا إلى استحضار أسواق تجارية مصغره تغني الأهالي عن السوق الذي يتوسط المدينة.
لم تسعف سوق حمص التجاري مساعي إعادة إنعاشه المتمثلة بدعوات الإعلام الرسمي وعلى لسان محافظ حمص للعودة إلى إعادة افتتاح السوق، ودخول برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الذي يعمل على المرحلة الثالثة من إعادة ترميمه.
أسواق الأحياء مسمار في نعش السوق القديم
انتشرت الأسواق الصغيرة في مدينة حمص مع صعوبة افتتاح محلات السوق القديم وسط المدينة، إذ شهد السوق دمارًا بسبب معارك بين المعارضة وقوات الأسد في حمص القديمة، ما دفع بائعين لإنشاء تجمعات محلات ضمن شوارع متفرقة، تسهل على سكان بعض الأحياء قضاء حاجياتهم لصعوبة التنقل من حي إلى آخر، بسبب الحواجز والعمليات العسكرية وسط المدينة، لتتحول شوارع معينة في كل منطقة إلى مراكز تسوق.
الحاج جلال أبو حسبو، أحد تجار مدينة السوق الأثري في حمص، عاد إلى محله التجاري عام 2017، حين علم بورشات الترميم التي بدأتها الأمم المتحدة عام 2016 (بداية انطلاق برنامج إعادة إعمار السوق بحمص).
ووفقًا للحاج جلال، فإن الأسواق المستحدثة في أحياء المدينة بات لها رصيد لا يقل عن خمس سنوات، ويبدو أن الناس اعتادوا عليها وإن كانت في قلبهم غصة وشوق للسوق القديم.
من الصعب إعادة توجيه الناس للتردد إلى السوق القديم دون إغلاق تلك الأسواق، والحكومة تعي ذلك، بحسب الحاج جلال، ولو كانت جادة في إعادة إحياء السوق القديم فعلًا لأغلق المحافظ تلك الأسواق خلال ليلة وضحاها.
المحامي عبد الإله الدروبي، قال لعنب بلدي إن النظام يقول ظاهريًا إنه يعيد إحياء السوق وإعادة افتتاحه، رغم أن عمليات الترميم الخجولة والمحدودة يقوم بها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وبتمويل من اليابان ودول أخرى.
ووفقًا لعبد الإله فإن محافظة الحكومة على الأسواق التي افتتحت لاحقًا، هي واحدة من عدة ظواهر توحي بعدم جدية النظام في إحياء السوق القديم، وتئد أهمية وذكرى السوق في قلوب الناس مع مرور الوقت.
تعطيل عودة تجار السوق في حمص
المحامي عبد الإله الدروبي يلفت إلى أن مشروع “حلم حمص” بات تحقيقه في ظل الظروف الراهنة أسهل مما كان سابقًا.
وأطلقت محافظة حمص المشروع رسميًا عام 2010، ولاقى احتجاجًا واسعًا من سكان المدينة لضبابيته تجاه وسط المدينة والسوق القديم، ولنيته تحويل السوق إلى مراكز وأبنية تجارية وطمس المعالم الأثرية.
إعادة الترميم الحالية في السوق القديم تقتصر على السوق المسقوف (المقبي)، في حين لم تشمل إعادة الترميم أسواق الناعورة والجورة وغيرها، وهي الأسواق التي كانت الضبابية تلف مصيرها، حين طرح مشروع “حلم حمص”.
يصف الحاج جلال، أحد التجار في سوق حمص، حال محله الذي يقع على زاوية شارعين في السوق، بأنه دون سقف ومجرد أعمدة فقط، وعند حديثه مع مكتب الأمم المتحدة الإنمائي عن ترميم محله، أخبروه بأنه لا بد أن يعيد رفع أعمدة وسقف المحل كي يشمله الترميم، مضيفًا أنهم أخبروه بأن برنامج الترميم مقتصر على واجهة المحلات فقط.
ويقول، “بعد إعادة إعمار المحل الذي كلفني قرابة ميلوني ليرة سورية، ركّبت ورشة الأمم المتحدة واجهة محل لا تتجاوز كلفتها 100 ألف ليرة سورية، بعد ذلك بدأت برفقة جاري بإعادة إكساء المحل والديكورات على أمل إعادة الافتتاح”.
لكن مجموعة مسلحة قدمت إلى محل الجار، وبعد ترهيب وطرح أسئلة عن الجهة التي صرحت له بإعادة افتتاح المحل وإكسائه، سارعت بتدمير ما تم إنجازه بحجة أن هناك شروطًا لإكساء المحلات التجارية جميعها بذات الطابع، بحسب الحاج جلال، الذي يوضح أن المجموعة طلبت منه تصريحات الموافقة التي تؤهله لإعادة افتتاح المحل.
ولاستصدار التصريحات لا بد من موافقة من مجلس المحافظة والبلدية وبراءة ذمة من المالية والكهرباء ومصلحة الضرائب، بالإضافة إلى قيادة الشرطة والأمن السياسي، وهي وثائق قدر صاحب المحل كلفة الحصول عليها بنحو ثلاثة ملايين ليرة سورية.
عبد الحفيظ، تاجر جملة لبيع الصابون وزيت الزيتون، يعمل في محل للعائلة في سوق حمص منذ أكثر من 40 سنة، حين كان طفلًا يساعد أباه، لكنه تحول بعد تدمير السوق وتعطل العمل في المحل وفقدان بضاعته واحتراقها إلى بائع زيت زيتون على رصيف أحد الشوارع في مدينة حمص.
وقال إنه لا يستطيع العودة إلى محله بسبب التصريحات التي لا يملك المال للحصول عليها، ولا حتى كلفة إعادة ترميم المحل، مشيرًا إلى أنه فُرضت عليه كسوة داخلية معينة للمحل إن أراد افتتاحه مجددًا، وقال إنه حتى لو توفر المال للتصريحات والإكساء، إلا أن تعويض رأس المال والبضاعة ليس أمرًا هينًا.
يرى عبد الحفيظ أن افتتاح محلات في الأسواق المستحدثة ضمن الأحياء بات أكثر منفعة وأقل تكلفة، وأن الأسواق باتت أكثر ما يمنع إعادة إحياء السوق.
الناس روح السوق.. وهل يعيش دون روح؟
شهدت مدينة حمص نزوح وهجرة مئات الآلاف من سكانها خلال الثورة السورية، أحياء كاملة باتت خاوية مدمرة، باستثناء بضعة أحياء يغلب عليها صبغة الموالاة للنظام.
خلو الأحياء القديمة بمعظمها وأحياء أخرى وسط حمص تحديدًا جعل منطقة السوق ومركز المدينة في عزلة وسط الدمار، بعدما كان مركز المدينة النابض لقربه من الكراجات القديمة التي كانت تشكل عصب الحياة لمئات القادمين من أرياف حمص، وتوفر مواصلات النقل الداخلي لأحياء المدينة.
التاجر عبد الحفيظ قال، “من الصعب إزالة آثار الحرب خلال فترة قصيرة، والسوق اسمه سوق لكونه قبلة التسوق الأولى للأهالي، ومن دونهم لن يحيى”.
في حين يسعى كثيرون من التجار والأهالي إلى إعادة إحياء روح السوق، حيث يعمل أصحاب المكاتب في بناء الجندي التجاري، المجاور لجامع النوري الكبير والواقع عند ساحة الساعة القديمة مركز المدينة على إعادة ترميم المبنى، الذي كان يضم سابقًا عيادات طبية ومكاتب لشركات تجارية وسياحية.
وتنشر صفحة في “فيس بوك” أنشأها أصحاب المكاتب في بناء الجندي، دعوات للتواصل وإعادة الترميم على نفقتهم الشخصية، من أجل إحياء المبنى الذي يعد أشهر المباني التجارية في منطقة السوق.
وتعود أسواق حمص الأثرية إلى حقب زمنية مختلفة، أقدمها سوق القيصري الذي يعود تاريخه إلى أكثر من 1500 سنة، وقد تعرض عبر الزمن لعدد من الزلازل والحرائق، وأحدثها السوق المسقوف الملاصق لجامع النوري الكبير والذي يعود إلى قبل 250 سنة، وينقسم إلى زوايا عديدة تسمى بحسب المهن والمحلات التي تنتشر فيه.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :