خطيب بدلة
نشرت صحيفة “عنب بلدي” خبرًا عن تعميم أصدرته “مديريةُ التربية والتعليم” في إدلب، موجهٍ إلى المجمعات التربوية والمدارس العامة في المناطق المحررة يقضي بمنع تداول صور لعَلَم النظام، ويَمنع، منعًا باتًا، تدريسَ أي مادة، أو فقرة، أو فكرة، تُمَجِّد النظام البائد.
الحقيقة أنه لو استطاعَ فنانٌ مختصٌّ بـ “الجرافيك” تجسيدَ هذا التعميم في لوحة، وتعليقَهُ على أحد الجدران في ساحة عامة، لأصبح من واجبنا نحن السوريين أن نخفَّ إليه فرادى وجماعات، للفرجة عليه، والاستمتاع بما ورد فيه من ذكاء وفطنة، ودِقَّة في الإصابة، ثم يستل كل واحد منا موبايلَه ويأخذ للتعميم صورًا من مختلف الزوايا، وبعد ذلك يتصل بأهله ومعارفه ويقول لهم: تعالوا تفرجوا على إبداعات جبهة النصرة وهيئة تحرير الشام في مجال إسقاط نظام ابن حافظ الأسد الاستبدادي. والله يا جماعة إنه أمرٌ لا يخطر في بال إنس أو جن. تخيلوا: لقد منعوا أي مواطن يعيش في المناطق “المحررة” من حمل علم النظام والسير به في الشوارع، ومَنْ تسول له نفسُه الأَمَّارَةُ بالسوء “تمجيد” النظام بشكل عام، أو أحد رموزه فلا يلومَنَّ إلا نفسه.. وبعدما ننتهي من إبلاغ أحبتنا بالخطب الجلل؛ نأتي بالخطاطين الكبار ونكتب تحت اللوحة الجرافيكية، بخط الثُّلُث، عبارات من قبيل: انظر بعينك وارحم بقلبك. يا ناظرني بنظرة حسد أشكيك لواحد أحد. ولا بأس من جعل مسك الختام عبارة من قبيل: عَدّي بس أوعى التحدي، أو: لا تلحقني مخطوبة.
إن ما يدعو للفرجة، وللعجب، بصراحة، هو أن هذا التعميم صدر في أواخر سنة 2018، أي بعد مضي سبع سنوات ونصف السنة على قيام الثورة السورية، وبعد ثلاث سنوات ونصف السنة على مغادرة نظام الأسد لمحافظة إدلب واستيلاء جبهة النصرة وحلفائها المقربين من تنظيم “قاعدة الجهاد” على مقدرات الشعب المسكين الذي وصلت روحه إلى مناخيره من حقارة النظام وقذائفه وصواريخه وبراميله من جهة، ومن استبداد التنظيمات الرجالية والنسائية التي فَرَّخَها تنظيمُ القاعدة، من محاكم شرعية، وحسبة، وشرطة زلام، وشرطة نسوان، وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر، وإخوان، وطليعة، وتكفير وهجرة، وأمراء، وسلاطين حاشاكم وحاشا الطيبين من أمثالكم.
إذا أردتم، يا مصدري هذا التعميم، أن تعرفوا كم أنتم متخلفون، ومتخاذلون، وإمَّعات، ارجعوا إلى التاريخ القريب، يومَ شكلنا، نحن الثوار المعادين الحقيقيين لنظام الأسد، في سنة 2011 (حينما كان نظام الأسد مدججًا بجيشه ودباباته وعساكره وفروع مخابراته وقطعان شبيحته) تجمعًا للنقابيين والمثقفين، وصرنا نجتمع، نهارًا، جهارًا، في مطعم “الأورينت هاوس”، وكل واحد منا يلف علم الثورة القماشي حول رقبته، بعد أن تم الاتفاق على استبعاد علم النظام عن تجمعات الثوار نهائيًا، وخلال أقل من ثلاثة شهور، لم يعد بإمكان أي إنسان أن يتلفظ بكلمة مباشرة، أو ملغوزة، تتضمن مديحًا لنظام الإجرام، ولا حتى بعبارة تشير إلى أنه نظام “لا بأس به”.. ولو أن أحدًا قال عبارة كهذه لاعتبرناها “كفريّة” لا يجوز معها أي استغفار! أي نعم.